Logo

الثورة اليمنية بين قداسة اللحظة وضياع البوصلة!

 حين خرج اليمنيون إلى الشوارع يهتفون للحرية والكرامة، كان ذلك الحراك الشعبي تعبيرا صادقا عن تطلعات جيل جديد أراد أن يفتح صفحة جديدة في تاريخ البلاد. 
ومن بين أبرز الوجوه التي ارتبطت بتلك اللحظة، توكل كرمان، التي رآها البعض رمزا للثورة، بينما رأى فيها آخرون تمثيلا لصوت بدأ يخبو في زحمة التغيرات الكبرى التي عصفت باليمن لاحقا.
لكن يبدو أن هذا الرمز لم يتغير مع تغير المشهد، فبقي حبيس 2011، يتحدث من موقع اللحظة الثورية الأولى، بينما البلاد غرقت في فوضى أكثر تعقيدا ودموية مما كان يتخيله الحالمون بالتحول الديمقراطي.
و ما يُثير الأسى اليوم ليس فقط المآلات المأساوية التي وصل إليها اليمن، بل الطريقة التي تحولت بها الثورة من مشروع وطني جامع إلى خصومات شخصية، يُعاد تدويرها تحت غطاء المبادئ.
 فعندما تصبح كل مناسبة اجتماعية، مهما كانت بسيطة، فرصة لتجديد العداء وتسجيل المواقف، فذلك يُنذر بتحول خطير في طبيعة الخطاب السياسي.
 زواج ابن الرئيس السابق مثلا، تحول إلى مادة للهجوم والتشفي، من توكل كرمان حائزة نوبل للسلام!
بدل أن يُنظر إليه كبادرة طبيعية في مجتمع يجب أن يتعلم طي صفحات الماضي الطويل.
نعم، علي عبدالله صالح أخطأ، ونظامه كان مليئا بالفساد. لكن الثورة لم تكن لإسقاطه كشخص فقط، بل لإسقاط نمط حكم، وإعادة تشكيل مفهوم الدولة، وهذا ما لم يحدث. 
بل إن النتيجة كانت أسوأ، إذ انتهى اليمن بين فكي ميليشيات طائفية تلتهم مؤسسات الدولة وتعيد تعريف الجمهورية وفق منطق السلالة والسلاح.
والغريب أن كثيرين، ممن رفعوا رايات الثورة، لم يُبدوا ذلك الغضب ذاته تجاه سيطرة الح..وثيين على صنعاء، أو تجاه قتل مؤسسات الدولة، بل اختاروا الصمت أو التبرير، وكأن إسقاط صالح كان الهدف الوحيد. وحتى بعد مقتله، لم نجد قراءة نقدية عميقة من بعض قادة الثورة، بل تغريدات سطحية تكتفي بالشماتة.
وفي المقابل، برزت مفارقة جديدة: جزء واسع من الشعب، الذي حلم بالحرية، صار يحن إلى النظام السابق، لا حبا بالطغيان، بل لأن الفوضى البديلة كانت أشد وطأة.
 وهذا لا يعني تبرئة النظام السابق، بل يُظهر حجم الفشل في استثمار لحظة التغيير.
فيما الحقيقة المرة أن هناك من صادر الثورة لنفسه، واحتكر التحدث باسم الشباب، وأسس مجالس لا يُعرف من اختارها ولا من فوضها. 
في حين أن الأصوات النزيهة، التي شاركت بصدق في الحراك، وجدت نفسها مهمشة أو منفية أو مشوشة بالصراخ العالي.
واليوم، على من تمسكوا برايات الثورة أن يسألوا أنفسهم: هل نحن أمام مشروع وطني أم خصومات لا تنتهي؟
 هل الهدف كان بناء يمن جديد أم الانتقام من عائلة معينة؟ وما الذي يمنع أن نمد أيدينا لمن تبقى، ممن لديهم القدرة والرغبة في إعادة بناء الدولة، حتى لو كانوا من النظام السابق، طالما التزموا بالقانون والدستور؟
ربما آن الأوان أن نُعيد النظر في كل شئ 
فالثورات لا تُقاس بمن بدأها، بل بمن أنقذ البلاد من السقوط بعدها.
ثم ماذا بعد ثورة تحولت إلى خلاف شخصي
صحيح لم تكن ثورة اليمن مجرد انتفاضة ضد نظام، بل كانت حلم شعب بكامله نحو التغيير. 
لكن المؤسف أن بعض رموزها، وعلى رأسهم توكل كرمان، اختزلوا الثورة في صراعات شخصية.
استغربت من مهاجمتها لمناسبة اجتماعية كزواج ابن علي عبدالله صالح إذ أظهرت أن المسألة لم تعد سياسية، بل باتت حقدا متجذرا.
 اليمن تغير، وسقط النظام الجمهوري، وابتلع الح..وثيون الدولة، لكن كرمان ما زالت تحارب أشباح 2011.
 أين السلام؟ أين المشروع الوطني؟ 
فما يجري اليوم تجاوز الثورة، وصار صراعا على تصفية حسابات قديمة، بينما اليمن يُنهش. 
طبعا مؤسف أن من رفعوا شعار الحرية أصبحوا يتحدثون باسم شباب مجهولين من منفاهم، فيما الشعب الحقيقي يبحث عن من يُنقذه لا من يُذكره بصراعات الماضي.
و رغم أنها تصر على كسر قدسية الجائزة، تبقى توكل كرمان صوتا يشبه العاصفة: لا يُروض ولا يُتجاهل.
فيما نوبل لم تزدها مجدا، بل زادته هي اضطراما وجدلا.
و يا للمفارقة، أن تُمنح جائزة السلام لمن يزرع القلق في العروش! 
لكن ربما بعض السلام لا يُولد إلا من رحم الصخب. تلك هي المعادلة التي لم يفهمها العالم بعد.!