Logo

وزارة الخارجية اليمنية: تركة القصور وأعباء الإصلاح المتأخر

 منذ تأسيس وزارة الخارجية اليمنية، لم تحظَ هذه المؤسسة السيادية بالاهتمام الذي تستحقه كذراع رئيسية في تمثيل الدولة اليمنية ومصالحها على الساحة الدولية،

 لقد غاب عنها منذ البداية المفهوم الحقيقي للدبلوماسية بوصفها أداة استراتيجية لنسج العلاقات، وبناء التحالفات، وتحقيق المصالح الوطنية في المحافل الإقليمية والدولية..

لقد اُنشئت البعثات الدبلوماسية اليمنية في مختلف دول العالم، لكن هدفها لم يكن واضح المعالم، وغالبًا ما انحصر في الحضور الشكلي، بعيدًا عن الفاعلية السياسية أو الاقتصادية،

 فبدلاً من أن تكون هذه البعثات أدوات لخدمة اليمن، تحولت في كثير من الأحيان إلى ملاذات لتعيين شخصيات تبحث عن مصالحها الشخصية، في ظل غياب رؤية مؤسسية واضحة، وضعف الرقابة والمساءلة..

تعيين السفراء والدبلوماسيين لم يكن يستند في معظم الحالات إلى الكفاءة أو الخبرة، بل إلى الولاءات، والمحسوبيات، والترضيات السياسية، 

ونتيجة لذلك، افتقدت الوزارة إلى نخبة دبلوماسية قادرة على التفاوض، وتحقيق مكاسب دبلوماسية حقيقية، أو حتى الدفاع عن قضايا اليمن في المحافل الدولية، انعكست هذه السياسات سلبًا على صورة اليمن في الخارج، وزادت من عزلتها في وقت كانت بأمس الحاجة لحلفاء وأصدقاء..

الوزير الزنداني والنائب النعمان… في وجه العاصفة

اليوم، يواجه الوزير شائع الزنداني ونائبه مصطفى النعمان تركة ثقيلة تراكمت على مدى عقود، ورغم محاولتهما الدفع بعجلة الإصلاح داخل الوزارة، 

إلا أن جهودهما تصطدم يوميًا بجدار من الحقوق المتراكمة والملفات الشائكة التي تم تأجيلها لسنوات، أبناء الوزارة، الذين يشعرون بالتهميش أو الظلم، أحيلوا إلى ملف التظلمات، ما يشكل تحديًا حقيقيًا لأي خطة إصلاحية..

ولم يقتصر الأمر على المشاكل الإدارية والوظيفية، بل تفاقم بفعل تدخلات مراكز القوى، التي لا تزال ترى في وزارة الخارجية أداة لتوزيع النفوذ والمناصب، وليس مؤسسة تُعنى بصياغة السياسة الخارجية للدولة، 

هذه التدخلات أفرغت الوزارة من مضمونها المهني، وجعلت من الصعب استعادة دورها كنافذة لليمن على العالم.

نافذة على العالم… لا على الداخل

في جوهرها، وزارة الخارجية ليست مؤسسة داخلية تدير شؤون الموظفين فحسب، بل هي بوابة اليمن إلى الخارج، يفترض أن تعمل على رسم صورة الدولة، وحشد الدعم الدولي، والدفاع عن السيادة، وجذب الاستثمارات، والمساهمة في بناء علاقات استراتيجية، 

لكن غياب هذا الفهم في العقود الماضية، جعل الوزارة مؤسسة مترهلة، عاجزة عن أداء دورها الحقيقي..

الوزارة بحاجة إلى إصلاح جذري

إصلاح وزارة الخارجية اليمنية ليس مجرد مهمة إدارية، بل مشروع وطني بامتياز، يتطلب أولاً الاعتراف بالقصور التاريخي، ثم التحرك نحو بناء مؤسسة دبلوماسية قائمة على الكفاءة والاحتراف، بعيدة عن الولاءات الضيقة، 

ومثل هذا التحول لن يتم ما لم تتوافر الإرادة السياسية والدعم المؤسسي، لتتمكن الوزارة أخيرًا من أن تكون الواجهة التي تليق باليمن، وتخدم مصالحه في عالم متغير..