أمة بين السيف والنطع
عِندَما أسَّس هرتزل المنظَّمة الصهيونيَّة العالميَّة والبنك اليهودي وتبنَّى فكرة وطن قومي لليهود حينها لم يدُرْ بخلد أكثر المتشائمين أنَّ مشروع الوطن القومي لليهود الَّذي تم تبنِّيه في المؤتمر الصهيوني الأوَّل 1897م سيتحقق على أرض الواقع بعد نصف قرن تمامًا.. وبعد احتلال فلسطين وتحقيق مشروع الوطن القومي الَّذي كان يحلم به الصهاينة بدأ التفكير في تحقيق حلم «إسرائيل الكبرى» المشروع الأكبر
الَّذي تحدَّث عَنْه هرتزل أيضًا، ومصطلح «إسرائيل الكبرى» لم يكُنْ واردًا بقوَّة في الخِطاب السِّياسي الصهيوني طوال العقود الماضية إلَّا من خلال الخطَّيْن في العَلم الصهيوني؟ إلَّا أنَّ ذلك يأتي تعبيرًا عن طبيعة الاحتلال «الإسرائيلي» كدولة لا تعترف بالحدود والسلام، وليست شريكة في التعايش الإنساني، بل طبيعة احتلال على الدوام ولم يتوقع العرب أنَّ كيان الاحتلال سوف يعيد الحديث عن خطَّة «إسرائيل الكبرى» في الخطاب السِّياسي كواقع يهدِّد وجود أكثر من (7) دول عربيَّة؟!
اليوم يُعِيد اليمين الصهيوني المتطرف على لسان مُجرِم الحرب نتنياهو ذات الخِطاب السِّياسي معززًا بموقف أميركي داعم يهدِّد بالقضاء على حماس، وهو في حقيقته ضوء أخضر لإبادة قِطاع ديموغرافي كامل يزيد على مليونَي نسمة، وذلك بعدما فشل العدوان في تحقيق أهدافه لمدَّة (22) شهرًا من حملة الإبادة الجماعيَّة لسكان قِطاع غزَّة، أبَعد هذا الإجرام الهمجي الصهيوني والحديث عن خطَّة «إسرائيل الكبرى» هل ينتظر العرب والأُمَّة بأكملها متى يأتي الدَّوْر على البقيَّة الباقية؟!
ما وضعه هرتزل قَبل قرن ونيف من الزمان أصبح دارجًا في الخِطاب السِّياسي من قِبل أعلى سُلطة في كيان الاحتلال؛ تأكيدًا على حقيقة واحدة وهي أنَّ الصراع بَيْنَ العرب والصهاينة هو صراع وجود لا صراع حدود، وأنَّ ما أُخذ بالقوَّة لن يُسترد إلَّا بالقوَّة، فأين تقف الأُمَّة اليوم؟ هل تنتظر أن توضع بَيْنَ السَّيف والنّطع؟!!
ختامًا نقتبس بعض الأبيات من قصيدة الشاعر العربي الكبير نزار قبَّاني: «أنا يا صديقة متعب بعروبتي»
يا تونس الخضراء .. كيف خلاصنا؟
لم يبق من كُتُب السماء كِتابُ ..
ماتَتْ خيولُ بني أُميَّة كلها
خجلًا .. وظلَّ الصَّرْفُ والإعرابُ
فكأنما كتب التراث خرافةٌ
كُبرى، فلا عمرٌ .. ولا خطَّابُ
وبيارقُ ابن العاص تمسحُ دمعها
وعزيز مصر بالفصام مصاب
أنا متعبٌ .. ودفاتري تعبت معي
هل للدفاتر يا ترى أعصاب؟
لا تعذليني .. إنْ كشفتُ مواجعي
وجهُ الحقيقةِ ما عَلَيْه نقاب
إنَّ الجنونَ وراء نصف قصائدي
أوليس في بعض الجنون صوابُ؟
فتحملي غضبي الجميل، فربما
ثارت على أمر السماء هضاب
فإذا صرختُ بوجه مَن أحببتهم
فلكِ يعيش الحب والأحباب
وإذا قسوتُ على العروبة مرةً
فلقد تضيقُ بكُحلها الأهدابُ
فلربما تجدُ العروبةُ نفسها
ويضيء في قلب الظلام شهابُ .
* إعلامي وكاتب عُماني
khamisalqutaiti@gmail.com