Logo

اليمن طموحات جديدة ومخاطر قديمة وغياب البديل الوطني

 يشهد اليمن اليوم واحدة من أعقد المراحل السياسية في تاريخه المعاصر حيث تحوّل من ساحة داخلية للصراع على السلطة إلى ملف إقليمي ودولي مفتوح تتقاطع فيه مصالح القوى الكبرى مع حسابات الأطراف المحلية. 

 فالحرب الممتدة منذ عام 2014 لم تعد مجرد مواجهة بين الحكومة المعترف بها دوليًا وجماعة الحوثي بل أصبحت ساحة صراع متعدد الأبعاد لا يجمعه سوى تفكك الدولة وغياب القرار الوطني المستقل.  

فيما يدفع ملايين اليمنيين ثمن ذلك جوعًا وتشريدًا وانهيارًا للخدمات الأساسية ما يجعل أي تسوية سياسية بلا بُعد إنساني غير قابلة للصمود. 

الانقسام الداخلي أسهم في إطالة أمد الصراع إذ فرض الحوثيون سيطرتهم على العاصمة ومناطق واسعة من الشمال بالقوة . 

بينما سعى المجلس الانتقالي الجنوبي إلى تكريس مشروعه بدعم إقليمي مباشر وظل حزب الإصلاح يعيش مأزقًا بين مشاركته في الشرعية وخلافاته مع حلفائه الإقليميين. 

 أما القوى القبلية فقد حافظت على ولاءاتها المتقلبة المرتبطة بالمصالح الآنية وهو ما جعل الخريطة اليمنية تتوزع على مربعات نفوذ أكثر من كونها دولة موحدة في وقت يتفاقم فيه شعور اليمنيين بالعجز عن امتلاك قرارهم السياسي المستقل. 

التدخلات الإقليمية زادت المشهد تعقيدًا فالسعودية نظرت إلى اليمن باعتباره عمقًا استراتيجيًا لكنها لم تحسم خياراتها العسكرية والإمارات ركزت على تعزيز حضورها في الجنوب والجزر والساحل الغربي بما يخدم مصالحها التجارية والبحرية. 

 وإيران رأت في الحوثيين ورقة ضغط فعالة في صراعها مع الولايات المتحدة وحلفائها.  

بينما انشغلت القوى الدولية بمصالحها المرتبطة بأمن الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب أكثر من اهتمامها بمستقبل اليمن السياسي لتتحول البلاد إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية أكثر من كونها وطنًا يعاني من حرب وانهيار شامل. 

ومع هذا التداخل فشلت مسارات السلام المتكررة بدءًا من مبادرات الأمم المتحدة مرورًا باتفاق ستوكهولم وصولًا إلى الوساطات العمانية والسعودية الأخيرة بسبب غياب الثقة بين الأطراف وتوظيف الوقت للمناورة . . 

إذ ينظر الحوثيون إلى الحرب كفرصة لتعزيز سلطتهم بينما تتعامل بقية الأطراف مع الأحداث من زاوية مصالحها الضيقة المتعلقة بالسلطة والنفوذ والمكاسب الفردية . 

كل ذلك فيما يظل البعد الإنساني غائبًا عن طاولة التفاوض ما يعمّق المأساة ويجعل الحلول السياسية شكلية وعرضة للانهيار في أول اختبار. 

وسط هذا الفراغ برزت قوى جديدة تحاول إعادة التموضع وبناء دورها السياسي والعسكري مثل العميد طارق صالح الذي يسعى إلى استثمار رصيده العسكري ورمزية عائلته . 

والسفير أحمد علي عبد الله صالح الذي يمثل امتدادًا لمرحلة سابقة ويحتفظ بشبكة من المؤيدين . 

والشيخ حميد الأحمر الذي يستند إلى ثقل قبلي واقتصادي ويبحث عن إعادة موقع آل الأحمر في المعادلة السياسية . 

غير أن هذه القوى رغم طموحها ما زالت محكومة بإرث الماضي رغم  القبول الشعبي ما يتطلب منها مراجعة خطابها وبرامجها إذا أرادت أن تكون جزءًا من الحل لا إعادة إنتاج الأزمة بشكل آخر. 

غير أن الخطر الأكبر يكمن في غياب المشروع الوطني الجامع الذي يمكن أن يوحد هذه القوى المختلفة مع باقي المكونات المدنية والاجتماعية. 

 وإذا لم ترتفع أصوات الشباب والنساء والمثقفين والأكاديميين ورجال الدين المستنيرين ومنظمات المجتمع المدني فإن اليمن سيبقى رهينة لتجاذبات الخارج وصراعات الداخل. 

 ومن هنا فإن الأولوية اليوم لا تحتمل التأجيل إذ لا بد من تشكيل تيار وطني واسع يفرض نفسه على المشهد ويعيد تعريف الأولويات على أساس استعادة الدولة والمواطنة المتساوية ورفض الاحتكار الضيق لمصير الوطن. 

 فاليمنيون أمام لحظة تاريخية لا خيار فيها إلا كسر دوامة الارتهان والتمزق وصياغة مستقبل مختلف يستعيد الاعتبار للدولة ويعيد الأمل لشعب أنهكته الحرب. . . 

* سفير بوزارة الخارجية