Logo

الهجرة إلى الغرب- أحلام وتحديات!!

 امس انزلت موضوع انتشر حول الهجرة، ولقيت البعض تأثر بكلامي بشكل خارج الفكرة تمامًا، وهدفي فيما اكتب، أنه عندما تعرف ماينتظرك تستطيع ترسم ماذا تريد لتخفف حدة الضرر. 

وعني قد سبق ووصفت  فلسفة طبيعة الحياة في الغرب مرات عدة؛ فهي ليست كما يتصورها الكثيرون. 

فأنت هناك في الغرب كمن يدخل ساحة صراع، الجميع فيها محترف يلبس قناع لاتعرف من هو حقًا، ويُطلب منك أن تكون بمستوى مشابه.

 فإن كنت تفكر بالهجرة فقط من أجل وظيفة وراتب ومحاولة الثراء، فأنت مخطئ؛ لأنها أنظمة ضريبية معقدة، تتطلب فهماً جيداً، وعملًا مستمراً، وقدرة على الادّخار ولو القليل حتى تلمس أثر تعبك. 

أما إن كنت تنوي الاستثمار، فسوف تدخل سوقاً قاسية تستهلكك بالضرائب والقوانين والمنافسة، خصوصاً إن لم تكن مميزاً بالمهارات والقدرة على التكيف وإتقان اللغة. 

وحتى لو قررت أن تستمتع بالحياة هناك، ستكتشف مع الوقت أنها مكلفة من دون مصدر دخل ثابت، بل مملة أيضاً، إذ هي بالأساس بلاد عمل؛ لا أحد متفرغ لك. 

وفي النهاية، ستجد نفسك منشغلاً إما بمشاكل بلدك أو بمجموعات على الفيس بوك لتشعر بأهميتك، لأن المجتمع يعطيك الانطباع أنك مجرد رقم إضافي، ومع الوقت قد تقع في عزلة واكتئاب، فلا أنت هنا فاعل بشكل حقيقي ولا أنت حاضر في وطنك.

وإن كنت تبحث عن تحقيق ذاتك في الغرب، فعليك أن تعلم أن الأمر لا يخضع للصدف ولا الفرص توزَّع كالجوائز. بل هو عمل متواصل، وتأهيل، وتطوير، ومنافسة لا تترك لك وقتاً للراحة والفسح. 

ومن يريد هناك وطناً لأبنائه، فليتذكر أنهم في النهاية لن يكونوا كما في مجتمعاتنا، حيث تطغى ثقافة المدرسة على ثقافتك وتتغلب عليها. بعد سن 18 قد لا تجدهم بجانبك كما تخيلت، بل حتى بعد 16 ستكتشف أنهم يعرفون القانون أكثر منك، فلا سلطة لك عليهم إلا بالتفاهم.

أما من يعوّل على الرعاية الاجتماعية، فليعلم أنها لا تكفيه، بل قد يُطلب منه العمل مقابلها بأجر زهيد، وستلاحقه نظرات الآخرين في كل مكان. 

ومن ادخر بعض المال فلن يُعتبر مستحقاً للرعاية إن فقد عمله لفترة قصيرة. وحتى راتب 2800 يورو صافٍ لا يكفي إلا بالكاد للإيجار والحد الأدنى من المعيشة بشقة صغيرة لا تتجاوز 80 متراً مربعاً، 

ولهذا يعيش نحو 14 مليون شخص في أوروبا تحت خط الفقر بسبب الغلاء والتضخم. 

ومن امتلك بيتاً بالقروض، صار عبئاً عليه إن فقد وظيفته، إذ يلتهم القرض والصيانة دخله.

 أما من يعوّل على التقاعد، فإن راتبه لن يكفي مع توسع التضخم وغياب المدخرات، خصوصاً إذا لم تعمل زوجته. ومن بدأ العمل بعد الأربعين، فغالباً لن يصل لمعاش محترم، بل ستكمله له الرعاية الاجتماعية فقط.

ومن لم يتقن اللغة، ستتضاعف مشاكله في مجتمع يعتمد على الكم الهائل من الأوراق والإشعارات، بل حتى أبناؤه سيشعرون بالخجل منه في المدرسة إن لم يتقنها. نعم، الدعم للأطفال موجود في البداية، لكنه يتضاءل بعد ذلك، بينما المصاريف تكبر.

 أما من يظن أن الرعاية الصحية مجانية بالكامل فهو مخطئ؛ إذ عليك بتأمين إضافي وتحمل جزء من التكاليف. 

ومن يعمل وحده بينما زوجته لا تعمل، فلن ينجح غالباً في الادخار، وحتى إن خرجت للتسوق فمصروفها سيشكل عبئاً إضافياً. 

وإذا عملت الزوجة، فقد لا تجد الجو العائلي التقليدي الذي تتمنى، بينما ترتفع الضرائب، فتشعر بالإرهاق والتذمر المستمر. 

أما من يحاول الموازنة بين بلده وأوروبا برجْل هنا ورجْل هناك، فسوف يخسر الرهان في النهاية.

لذلك، إن أردت الدخول إلى أوروبا، فافهم أن هذا ليس إحباطاً بل تنبيه: أولاً، تعلم اللغة وأتقنها وافهم نفسك: أين أنت؟ ماذا تريد؟ وكيف تسير قواعد اللعبة هناك؟ لأنك ستكتشف أنك وحدك، لا سند لك غير زوجتك. 

أعرف أشخاصاً أمضوا سنوات ولم يدخروا حتى 4000 يورو رغم صحتهم، فكيف حين يتقدم بهم العمر؟ 

ولهذا أنصحك: علم زوجتك اللغة وأعطها فرصة لتتأهل حتى تعينك على الأقل في متابعة مشاكل الأبناء والمدرسة. استثمر وقتك فيما يفيد ولا تضيّعه بالاندماج الكلي مع الجاليات العربية والإسلامية أو الجمعيات، لأن كثرة الارتباط بها تستنزف وقتك وتسمم علاقاتك وتبقيك أسيراً لمشاكل لا تهمك. 

واعلم أن العربي والأجنبي كليهما مرهقان هناك، لذلك كن متوازناً بين المهم والأهم إن أردت أن تستمر في ساحة الصراع على العمل والإنتاج.

الحياة هناك ميزان؛ تأخذ من طرف وتدفع من طرف آخر. حاول أن توازن كي تعيش سعيداً أينما كنت. أعرف من حرقوا شبابهم ونجحوا مادياً، لكن انهار جانب آخر في حياتهم، وانتهى بهم الأمر في عزلة وملل. 

هذه ضريبة غياب التوازن. تذكّر أن الوصول لأي هدف له ثمن، وما يُفقد قد يكون أثمن مما كسبت.

لذلك رسالتي، أصلحوا أوطانكم إن استطعتم، فالحياة فيها أسهل وأقرب للسعادة ولن تخسروا فيها أهم ما تملكون. أما إن خرجتم لهجرة، فلا تنظروا للخلف، بل تعلموا لغة البلد جيداً وفهموا قوانينه حتى لا تنهزموا مرات عدة.

 أنا لا أقول لا تسافروا، فهذا قرار شخصي، لكن أقول الهجرة والموطن الجديد هي ساحة نزال محترفين، ومن يدخلها بغير استعداد سيخسر عمره بلا نتيجة. خذوا كلامي كخريطة ترسم لكم طريقاً أوضح.