Logo

الذكرى الـ43 لتأسيس المؤتمر: من وهج البدايات إلى انحناءات المصالح

تمر علينا الذكرى الثالثة والأربعون لتأسيس المؤتمر، هذا الكيان السياسي الذي بزغ في لحظة مفصلية من تاريخ البلاد، ممثلا تطلعات جيلٍ طموحٍ إلى بناء دولة تقوم على الحوار والتعددية والانفتاح السياسي،

 ففي زمنٍ كانت فيه الساحة السياسية تضيق بكل من يخرج عن الخطوط المرسومة، جاء المؤتمر كمشروع وطني جامع، يحمل في روحه فكرة الدولة، وفي نهجه سعة الصدر، وفي أدواته الانفتاح على مختلف التيارات..

لقد كان الرعيل الأول المؤسس للمؤتمر طليعة وطنية واعية، جمعت بين الرؤية السياسية والنزاهة الشخصية، وامتلكت الجرأة على العمل المشترك رغم اختلاف المشارب الفكرية والسياسية، ضمت تلك الكوكبة رجال دولة حقيقيين، انخرطوا في مشروع وطني يعلو فوق الانتماءات الضيقة، واحتضنوا في المؤتمر صوت الريف كما صوت المدينة، المثقف كما رجل القبيلة، المعارض كما المستقل..

كان المؤتمر، في بداياته، نموذجًا فريدا لتجربة ديمقراطية نادرة في سياق عربيٍ مضطرب، فقد استطاع أن يستوعب التعدد السياسي والفكري، ويخلق هامشا واسعا للحوار، بل وكان مدرسة سياسية خرجت قيادات وطنية بارزة تولت أدوارا مفصلية في إدارة شؤون الدولة، ودفعت ضريبة الانتماء للوطن في أزمنة الشك والانقسام..

لكن المؤسف أن تلك الروح الجامعة التي شكلت لب المؤتمر في بداياته، سرعان ما تآكلت بفعل عوامل داخلية وخارجية، فمع مرور الوقت، 

ومع غياب المؤسس الأول وافتقاد البوصلة الوطنية الجامعة، بدأت مسيرة التحول، وظهرت على السطح قيادات لم تحمل ذات الرؤية، بل انشغلت بالمكاسب، وأدمنت على صناعة الولاءات الهشة، حتى تحول بعضهم إلى ما يشبه المستثمر السياسي، يعيش على حساب هموم الحزب وقضاياه، ويغذي الانقسامات بدلا من أن يسعى لرأب الصدع..

اليوم، ونحن نحيي الذكرى الثالثة والأربعين، لا يسعنا إلا أن نترحم على زمن الرعيل الأول، ونراجع أنفسنا بجرأة، فهل ما زال المؤتمر هو ذلك البيت الكبير الذي يحتضن الجميع؟

 وهل ما زالت القيادات الحالية قادرة على تقديم شيء للحزب والوطن، أم أنها تحولت إلى عبء على المشروع؟.

إن الوفاء الحقيقي لتلك التضحيات يستدعي منا القيام بمراجعة شجاعة، وإعادة الاعتبار للمؤتمر كمشروع وطني لا كحصة في سوق السياسة،وأول الطريق يبدأ بإقصاء من يقتات على جراح الحزب، وإعادة الروح للمؤتمر من خلال كوادره الصادقة، وشبابه الواعد، وأفكاره التي لا تزال قادرة على إلهام المستقبل..

في هذه الذكرى، لنجعل من المؤتمر مجددا صوت العقل، ورمز الوحدة، ومنبر الدفاع عن القضايا الوطنية بعيدا عن صخب المصالح وضجيج الانتهازية..