Logo

المال والسلطة معادلة الفساد التي تعطل السلام في اليمن

 ملاحقة الأموال الخاصة ببعض القيادات والمسؤولين اليمنيين من قبل وزارة الخزانة الأمريكية وعدد من الدول الأوروبية لم تعد مجرد إجراء قانوني أو إجراء عقابي بحت. . 

 وإنما أصبحت تحمل رسائل سياسية واضحة مفادها أن المجتمع الدولي بدأ يتعامل مع ملف الفساد في اليمن باعتباره جزءا أصيلا من الأزمة التي تعصف بالبلاد . . 

وهذه الخطوات ليست معزولة عن سياق التحولات الإقليمية بل تأتي في إطار الضغط من أجل إعادة ترتيب المشهد اليمني الذي ظل رهينة بيد نخبة ضيقة تتحكم بالسلطة والمال وتمنع أي تغيير. 

هذه الأموال التي يتم تهريبها وتكديسها في الخارج ليست مجرد مكاسب شخصية بل هي أداة لإدارة شبكة واسعة من المصالح حيث تحولت إلى وسيلة لشراء الولاءات وتغذية الصراع وتعطيل أي عملية سياسية حقيقية . . 

وباتت الدول الكبرى تدرك أن استمرار تدفق هذه الأموال غير المشروعة يمثل خطرا يتجاوز الداخل اليمني ليصل إلى الإقليم كله وهو ما دفعها إلى ممارسة ضغوط عبر المسار المالي بعدما فشلت الأدوات الدبلوماسية في إحداث أي اختراق جوهري. . 

المستفيدون من هذه الأموال هم أساس الفساد في اليمن وهم أيضا حجر العثرة أمام أي مساع للسلام إذ يواصلون إنهاك مقدرات الشعب اليمني وتجويعه عبر التحكم بالموارد والثروات وتحويلها إلى حساباتهم الخاصة. .  

كما أنهم يستغلون طول أمد الحرب لمراكمة المزيد من النفوذ المالي والسياسي في وقت تتدهور فيه الأوضاع الإنسانية بصورة مأساوية وتزداد معدلات الفقر والجوع بين ملايين اليمنيين. 

إن هذه النخبة الضيقة لا ترى في السلام فرصة لبناء الدولة بقدر ما تعتبره تهديدا مباشرا لمصالحها فقد اعتادت أن تجعل من الفوضى والحرب مصدر دخل دائم عبر شبكات معقدة تشمل التهريب والجبايات غير القانونية والتحكم بسوق النفط والغاز . 

بل وحتى استغلال المساعدات الإنسانية التي يفترض أن تذهب للمتضررين من الحرب لكنها تتحول إلى وسيلة لتعزيز مواقع القوة لدى هذه القيادات

وبالتالي فإن الضغوط الأمريكية والأوروبية يمكن النظر إليها كخطوة لكسر هذه الحلقة المفرغة التي تربط المال بالسلطة.  

غير أن نجاح هذه الخطوات سيبقى مرهونا بمدى تفعيلها داخليا من خلال آليات واضحة لمحاسبة الفاسدين وإعادة الأموال المنهوبة إلى الشعب.  

وإلا فإنها ستبقى مجرد إجراءات انتقائية قد تخدم إعادة توزيع النفوذ بين أطراف دولية دون أن تترك أثرا حقيقيا على حياة اليمنيين. 

ما يحتاجه اليمن في هذه المرحلة هو مسار مزدوج يقوم على ضغوط خارجية حقيقية لوقف نزيف الأموال المنهوبة بالتوازي مع مسار داخلي وطني يضمن بناء مؤسسات قوية قادرة على فرض الرقابة ومحاسبة الفاسدين. 

 وإلا فإن الأموال ستظل تُنهب والثروات تُستنزف والشعب يزداد معاناة بينما يبقى اليمن غارقا في أزماته بلا أفق واضح للخروج منها. . . 

* سفير بوزارة الخارجية