Logo

اختراق اللوبي الهاشمي: جرح الوعي اليمني ومحنة الدولة

 تسلل اللوبي الهاشمي كظل طويل لشجرة نسب متعجرف، استثمر التاريخ، وزور المرويات، حتى أصبح عقيدة لا تُناقش، ومشروعا يُقدَّس.
فلم يكن الهاشميون في اليمن مجرد مواطنين، بل سعوا أن يكونوا قَيما على السماء، ووكلاءً حصريين للجنة، وصانعي سرديات تجعل من أبناء قحطان تابعا، ومن اليمنيين هامشا في وطنهم.
حدث ذلك في غفلة من زمن مائع، وفي غبار الفوضى اليمنية المتعددة.
فالاختراق لم يأتي بالسيف وحده، بل تسلل إلى الإعلام، تسللا ناعما عبر خطاب مدهون بمفردات النبوة، والتسامح، والحكمة، وهو في جوهره استعلاءٌ فئويٌّ غليظ، يستخدم "القرابة من الرسول" كذريعة لتفتيت مفهوم المواطنة.
فيما الإعلام اليوم في اليمن، في كثير من أوجهه، أصبح أبواقا ناعقة لمظلومية مزعومة، تُكرس الهيمنة العرقية وتُجمل مشروعا دينيا سياسيا لا وطن فيه إلا للهاشميين، ولا مكان فيه لأبناء الأرض إلا إن خضعوا.
أما الأحزاب، فقد ارتضت لنفسها أن تكون "أجنحة ناعمة" لمشروع السيطرة، فابتُلعت قياداتها، وتم تدجين خطابها، حتى صار بعض "القوميين" أنفسهم يتغنون بفضائل السادة، وكأن المشروع الوطني لا يكتمل إلا ببيعة طوعية للماضي المغشوش.
 فلقد صار الحزب عند بعضهم قبيلة جديدة، ولكن بأزياء فكرية، وكلها تدور في فلك "السيد".
والمنظمات؟ كثيرةٌ تلك التي رفعت شعار "الإنسان"، لكن تمويلها كان يمر من غربال اللوبي، فكل من لا يُعادي سردية الهاشمية السياسية، يُمنح فتات التمويل وشرعية الكلام.
 أما من يرفع صوته بقحطانيته، بعروبته الحرة، بمظلوميته التاريخية، فسرعان ما يُتهم بالطائفية، أو يُنفى إلى هوامش الشبهة.
كذلك حتى الأسر اليمنية الكبيرة، كانت عرضة لاختراق ناعم، يبدأ بالمصاهرة، ولا ينتهي بتسليم القرار العائلي لذرية "البيت"، فكان الهاشمي يدلف إلى المجالس بطيلسان "البركة" ليأخذ المكانة، ويأخذ بعدها القرار، ثم يأخذ الوطن كله على مهل.
على إنها ليست معركة طائفة ضد طائفة، ولا "عنصرية معكوسة" كما يُقال، بل معركة وعي ضد مشروع كهنوتي قديم جديد. 
فالهاشمية السياسية في اليمن ليست دما، بل فكرة، والفكرة لا تُواجه إلا بفكرةأكثر رسوخا: اليمن لليمنيين، لا سادة فيه ولا عبيد.
فإلى أين نمضي يا أبناء قحطان؟
نمضي إلى الحقيقة، إلى بناء وطن لا يُختزل في نسب، ولا يُدار باسم الدم. نمضي إلى نزع القداسة عن السياسة، وإلى بعث  أرض قحطان من غفوتها الطويلة.
نمضي. إلى وطن لا يكون فيه الإنسان مرهونا لسلسلة نسب، بل حرا كما كان، وكما يجب أن يكون.!