Logo

المولد النبوي: النور الذي لا يباع ولا يشترى

 
في كل عام، يتجدد الاحتفاء بذكرى ميلاد النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، مناسبة يفترض أن تكون وقفة تأمل في رحلة إنسان جاء ليُخرج الناس من ظلمات الجهل والظلم إلى نور الحق والعدالة. 

إنها لحظة لاستعادة القيم النبيلة التي حملها: الرحمة، والتسامح، والعدل، ومواساة الضعيف. 

لكن، في تناقض صارخ مع هذه المبادئ السامية، تحولت هذه الذكرى في بعض الأماكن إلى مسرح للاستغلال المادي والسياسي، حيث يُستبدل جوهر المناسبة بالطقوس السطحية، ويُحوّل الشعور الروحي إلى أداة لتحقيق مآرب دنيوية.

يُظهر الواقع الأليم أن هناك من يتاجر بهذه المناسبة العظيمة، مستغلاً عاطفة الناس الدينية في سبيل الكسب غير المشروع وتكريس السيطرة. 

فبينما يئن الشعب تحت وطأة الجوع واليأس، وتُثقل كاهله الأعباء الاقتصادية، تُفرض عليه الإتاوات المالية تحت مسميات واهية، ويُطلب منه "المجهود الحربي والديني". 

يتجسد هذا الاستغلال في مشهد الشوارع والسيارات والبيوت التي تكتسي باللون الأخضر، ليس احتفاءً بذكرى نبوية، بل كدليل على الخضوع والولاء، وكوسيلة لجني الأرباح من بيع مواد الزينة والطلاء التي تُفرض على الناس.

إن جوهر اتباع النبي محمد، ليس في تلوين الجدران أو رفع الرايات، بل في السير على نهجه. 

نهج قائم على الإنصاف، وإغاثة الملهوف، والتخفيف عن المكروب، وليس زيادة معاناته. 

إن من يتبع النبي حقاً هو من يسعى لإخراج الناس من ظلمات الفقر واليأس إلى نور الأمل والكرامة، لا من يفرض عليهم الضرائب ليزدادوا فقراً. 

المولد النبوي مناسبة لإحياء قيم التكافل، لا لتكديس الثروات على حساب البسطاء.

فلسفياً، يمكن النظر إلى هذا الاستغلال كنوع من "التجويع المقدس"، حيث يُغذّى الجسد الروحي بالاحتفالات الشكلية، بينما يُترك الجسد المادي للمواطن جوعاً. 

إنها محاولة مكشوفة لاستخدام الدين كواجهة لتغطية أهداف سياسية بحتة. 

فالمشهد الذي يُراد تصديره للعالم، من خلال الحشود الكبيرة والرايات الملونة، ليس تعبيراً عن حب النبي، بل هو استفتاء سياسي مزيّف، ورسالة للعالم الخارجي مفادها أن "الشعب يوالي ويؤيد"، في تجاهل تام للمعاناة الحقيقية التي يعيشها.

هذا المقال ليس دعوة لإلغاء الاحتفال بالمولد النبوي، بل هو دعوة لإعادة الاعتبار لجوهر المناسبة. 

إن النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، جاء ليكون نوراً يضيء دروب البشرية، لا سلعة تُباع وتُشترى، ولا أداة سياسية تُستخدم لقمع الشعوب وتجويعها. 

إن الانتصار للشعب اليمني المظلوم يبدأ بفضح هذه الممارسات، وإعادة بوصلة الاحتفاء إلى وجهتها الصحيحة: وجهة الرحمة، والعدل، والإنسانية التي نادى بها نبي الرحمة.