اخبار المنطقة - ثم ماذا بعد!!
بينما انشغل كثيرون بالتصفيق لتصريحات الرئيس الأميركي ترامب بأن ما حدث في قطر لن يتكرر، يلوح في الأفق واقع مختلف تمامًا:
يدُ إسرائيل وغيرها من القوى قادرة على الوصول إلى عمق المنطقة العربية متى شاءت، في ظل غياب قوة ردع عربية حقيقية، والاكتفاء ببيانات شجب وإدانة لا تغير من المعادلة شيئًا.
نحن نعيش في عالم تحكمه المصالح والغلبة والسيطرة، ومن هذا المنطلق، الواقع يفرض علينا قراءة مغايرة تقوم على سؤال مركزي: ثم ماذا بعد؟
هل ستتمكن دول الخليج من تحويل مواردها المالية الهائلة إلى ركائز قوة استراتيجية مستقلة، أم ستظلّ أسيرة الهامشيات والتبعية والارتهان لضمانات خارجية تعني – في جوهرها – فقدان السيادة الفعلية وتلاشيها من الخارطة؟
فالمشهد الجيوسياسي لا يبعث على الاطمئنان، إذ تحيط بهذه الدول قوى إقليمية نافذة كإيران وتركيا وإسرائيل، إلى جانب قوى آسيوية وإفريقية صاعدة كالهند وباكستان وأثيوبيا، وجميعها تتطلع إلى تعزيز نفوذها متى سنحت لها الظروف.
وفي خضم هذه الخارطة المعقدة، يظل خطر تآكل مكانة الدول الصغيرة قائمًا، خاصة حين يغيب وعي الهوية واللغة والمشروع العربي الحضاري.
ومن هنا فإن التحدي الجوهري لا يتمثّل في صفقات مالية وعسكرية بمليارات الدولارات ولا في بناء مدن واطلاق مهرجانات وليالي وحفلات، بل في صياغة وتنفيذ رؤية استراتيجية بعيدة المدى تحفظ الثروات وتضمن استقلال القرار وحماية المنطقة والانتاج والمنافسة بين الامم.
ومفتاح هذه الرؤية، في تقديري، هو اليمن. فهذا البلد هو المخزون البشري والاستراتيجي الذي بدونه لا يمكن تحقيق انتصار، ولا بناء استقرار، ولا حماية ولاتنمية مستدامة للمنطقة.
إن المعادلة التي يتعين على صانعي القرار في دول المنطقة استيعابها تقوم على أن القوة الاقتصادية وحدها عاجزة عن صناعة أمن قومي عربي راسخ، ما لم تُرفَد باستراتيجيات متوازنة للتنمية والإنتاج، وبقدرة ذاتية عسكرية ومؤسسية ومعرفية على فرض الاحترام في النظام الدولي.
وهذه القوة المنشودة لن تكتمل إلا عبر دعم وإدماج اليمن في مشروع عربي استراتيجي شامل تقوده المملكة ومصر، يمنح المنطقة مقومات البقاء والتأثير.
ومختصر القول أدرك حقيقة ثابتة لا تتغير: قبل مئة عام كان العرب يعيشون في الصحراء، يأكلون التمر ويركبون الجمال ويتقاتلون فيما بينهم على كلمة أو امرأة أو شجرة أو بئر ماء، وبعد مئة عام قد يجدون أنفسهم يعودون إلى النقطة ذاتها إذا أضاعوا ثرواتهم وفرصهم.
ومن هنا، تبرز الحاجة الملحّة إلى الإيمان بضرورة أن نكون أحرارًا وشجعان، أصحاب مشروع عربي واضح المعالم من المحيط الى الخليج بوجود امة بعدد الحصى، يحمي أمتنا من العبث والاستهداف، ويمنحنا مكانة بين الأمم كأنداد وشركاء لا كتابعين وعبيد وضعفاء نستجدي وننحني وننتظر موافقة الغرب لنقرر كيف نشجب ونندد كلما تم استهدافنا.