Logo

مجرد هوامش في كتاب الأمم!!

 نحن نعيش في الغرب منذ عقود، حتى نشأ جيل لا يتحدث العربية بفعل نشأته في المهجر. ومع ذلك يرافقنا دائماً ذلك الهمّ الثقيل: كيف يمكن لأمة أن يُبدع أبناؤها في الخارج بينما أوطانهم تعجز عن احتضانهم؟.

 فأبناؤنا وبناتنا حاضرون في الجامعات والمراكز البحثية والمصانع والشركات، في الصفوف الأمامية للمؤتمرات الدولية، يُنجزون ويكدّون بإصرار وبلا صدفة.

 في بيئة غربية صلبة، لا مكان للضعف، أثبتوا أن النجاح والمثابرة هي القاعدة لا الاستثناء. حين نلتقي لا نتحدث عن العلم، بل عن غياب التنمية، وانكسار التنافسية، واستمرار هيمنة الرداءة في امتنا العربية. 

يربطنا شعور واحد: مهما طال الاغتراب، نحن ما زلنا أبناء أمة عربية واحدة لم ننفصل عنها، لكنها تبدو منفصلة عن نفسها.

تتكرر الصورة بعد كل مؤتمر علمي: الألماني يعود إلى ألمانيا، الفرنسي إلى فرنسا، الهندي إلى الهند، الصيني إلى الصين. يعود كل واحد ليضيف إلى بلده شيئاً من خبرته. 

وحده العربي يظل عالقاً في وطن بديل، يعود إلى شاشة الحاسوب أو التلفاز، يلعن واقعه أو يحاول عبثاً أن ينقل شيئاً إلى الداخل. 

أنظمة تحكمها عقلية الجهل عطّلت أدوات المعرفة  والانتاج، أشغلت الناس بالتفاهات، وتركت المستقبل رهينة صراع ونزيف متجدد. النتيجة هزائم وانكسارات وصراعات على العدم يرافق ذلك هجرة العقول، تهميش الشباب، وانطفاء أي شغف بالتغيير.

حتى الإجازات التي يمكن أن تُستثمر في ورش عمل ومشاريع تعاون بين الغرب مع الداخل، كما يفعل الهنود والصينيون، تُهدر. فلا مؤسسات ولا أطر تستقبل وتدعم ، بل أبواب مغلقة وأجهزة مشغولة بتكبيل لا بتطوير. 

هذا هو جوهر أزمتنا أن العقول العربية لا تُزهِر في بيئتها، بل تُحارب حتى من “متعلمين” سجناء عقدهم وأوهامهم. 

ورغم ذلك، نحن كعرب مغتربين قادرون على الكثير، نقل المعرفة وتوطينها، إعادة التأهيل، بناء جسور استثمار وتنمية وتواصل وسياحة، وترك أثر. 

فكل قصة نجاح بيننا هي في جوهرها شهادة معاناة، لكنها أيضاً رسالة، الجيل العربي في الغرب يملك اليوم إمكانيات أن يكون أفضل ممن سبقه لانتشال الامة معرفيا وتقنيا، إذا توافرت الإرادة.

لسنا أقل من الهند أو الصين. الفرق أن عندهم دولة تعتبر المعرفة أساس المستقبل، وعندنا أنظمة تعتبر المهرجانات وليالي الطرب والتسوق اهم. 

من يقول إننا لم نحاول، يتجاهل أن من بين عشرين محاولة  ننجح بواحدة وبجهود مرهقة وذاتية فقط. كما قال لي صديق عربي أميركي : "يذهب كل إنسان إلى وطنه بعد انفضاض السامر… إلا نحن العرب".

 نحن أشبه برحّالة الصحراء، لا نستقر، نواصل محطة بعد أخرى في طريق اغتراب طويل. وسنظل كذلك، إلى أن تدرك أنظمتنا أن طريق المستقبل الوحيد هو المعرفة، وإلا سنبقى مجرد هوامش في كتاب الأمم.