تجعل المرء يضحك حتى وهو واقف على جنازة!!
هذه الأخبار الطريفة قادرة أن تجعل المرء يضحك حتى وهو واقف على جنازة. فقد خرج علينا الممثل جمال سليمان ليُعلن نيّته الترشّح لرئاسة الجمهورية السورية، وكأنه لا يعرف شيئًا عن طبيعة منطقتنا العربية.
المفارقة أن الرجل يتخيّل أن سوريا على أعتاب انتخابات حقيقية، وأن ما ينقص المشهد سوى أسماء المرشّحين.
لكن الفنان القدير يبدو أنه لم يدرك بعد أن تاريخنا العربي – منذ انهدام سد مأرب – لم يشهد يومًا أن حاكمًا وصل إلى السلطة ثم قال ببساطة "تفضلوا، لنفتح الباب للجميع عبر انتخابات حرة أو شورى".
خذ مثلاً بلدي اليمن، الرئيس علي عبدالله صالح، كما يقال في روايات الناس، وصل للحكم انتقامًا لمقتل الرئيس الغشمي، وبقي 33 عامًا سلّم في نهايتها بلدًا مفخخًا، كل مفصل فيه كان قابلاً للانفجار، وخلف كوارث تحتاج أجيالًا كي تُنسى.
ثم جاء الرئيس هادي، مهمته – بحسب الدستور والاتفاق – أن يقود مرحلة انتقالية لعامين لا أكثر، ينقل فيها الدولة ولا يُثبت نفسه. لكننا سرعان ما وجدنا أنفسنا غارقين في حوارات لا تنتهي، دستور جديد، أقاليم، وتفكيك للجيش والدولة.
وفي النهاية، لم يخرج من كل ذلك سوى حرب طاحنة، فقط لأننا لم نجرؤ أن نقول له منذ البداية، يا سيادة الرئيس، دورك إجراء انتخابات وحماية البلد من الفساد والتوريث، لا أكثر.
كنا نعرف مشكلتنا؛ الفساد والتوريث، لا هوية الدولة ولا شكل الدستور واليوم لم نعد نعرف من يحكمنا وأين سوف ننتهي.
ولو تُرك الأمر لرغبة هادي، لبقي يحكم خمسةً وعشرين عامًا أو حتى أكثر. لكن الكوارث لم تمهله، وعوضًا عن حلول، صار الوطن يتمزّق.
واليوم نجد أنفسنا مع مجلس رئاسي من ثمانية أشخاص، وكأننا بحاجة إلى سلسلة أخرى من الكوارث حتى نمهد الطريق لمن سيأتي بعدهم.
أما في سوريا، فحتى لو استقرت الأوضاع وازدهرت – وهو حلم جميل لكنه بعيد – فلن يتغيّر الرئيس إلا بعد ربع قرن على الأقل، فتقرص العافية.
المضحك المبكي أنّ في اليمن – كما في غيرها – شخصيات وأحزاب ظلّت تلمّع صورها وتطلق مشاريع هنا وهناك، كأنّ الطريق مُعبّد لصناديق الاقتراع.
والأدهى أن النخب السياسية والإعلامية لم تتوقف يومًا عن السخرية من الديمقراطية الغربية، بينما أحزابها وجمعياتها عاجزة أن تغيّر قيادتها منذ عقود.
حتى خطيب الجامع والامام وعاقل الحارة نحتاج معجزة لتغييرهم. كل مجموعة تخيط السياسة والإدارة والعمل المجتمعي والديني على مقاس شلّتها وقريتها، حتى الثورات والانقلابات تحولت إلى مشاريع مناطقية ضيقة، تفكك ولا تبني.
وهكذا، نعيش المأساة الكبرى، لم نستطع أن نبني دولة حديثة، وفي المقابل سقطنا في فخّ الاستبداد والفوضى. فلا حظينا بديمقراطية حقيقية، ولا حتى حافظنا على الحد الأدنى من كرامة شعوبنا. وحفظ الله سوريا واليمن والمنطقة العربية من التمزق والدمار.