فتشوا عن الخونة والعملاء في أوساطكم:
إن سكتنا اختطفونا واقتحموا بيوتنا وغيبونا في المعتقلات، وإن كتبنا هددونا واتهمونا بالعمالة والخيانة وتنفيذ أجندة خارجية.
منذ العام ٢٠٢٣م تحوّل شهر سبتمبر إلى شهر الخوف والاعتقالات التعسفية والملاحقات والاقتحامات، بمبرر وجود مؤامرة خارجية تستهدف تقويض الجبهة الداخلية يوم ذكرى عيد ثورة ٢٦ سبتمبر.
أتذكر عشية ٢٦ سبتمبر ٢٠٢٣م، زارني الى البيت قيادي من الصف الأول، وجلس معي أنا والرفيق احمد سيف حاشد جلسة مطوّلة امتدت إلى العاشرة مساءً.
هددنا بصراحة بالاغتيال والتصفية الجسدية، لأن الوضع منفلت وقد يقتلنا أي شخص من أسر الشهداء الغاضبين من كتاباتنا، وقال: إن لم نتوقف عن الكتابة ونلزم بيوتنا فلن يستطيعوا حمايتنا، والوجه من الوجه أبيض.
توقفنا ليلتها عن الكتابة والنشر وإيقاد شعلة ٢٦ سبتمبر كما كنا نعتزم احتفالًا بالذكرى.
وإذا بالشعب يُفاجأ بجندي يتبع نقطة أمنية يقوم بنزع العلم الوطني من سيارات المواطنين والدوس على العلم بأقدامه.
ونحن متوقفون عن الكتابة والنشر، حتى قال بعض الأصدقاء: قطران وحاشد باعوا القضية وقبضوا الثمن!
استفز ذلك التصرف الناس، فردّ الشعب في اليوم التالي فخرج للشوارع في صنعاء وإب والحديدة وذمار خروجًا عفويًا تلقائيًا رافعين العلم الوطني.
ونحن ملتزمون بالجلوس في بيوتنا، فتفاجأنا بخروج الناس وذهلنا من المشهد.
بالمناسبة، أعلنوا ليلتها أنه تم القبض على ذلك الجندي الذي داس العلم الوطني، وقالوا إنهم سيحاكمونه! ولا نعلم ما مصيره وماذا جرى بشأنه إلى اللحظة!
وذلك الطرف داخل السلطة، الذي يقف خلف الجندي والنقطة الأمنية، هو من قام بالتصوير والنشر وتأجيج الشارع وإغضاب الشعب.
ثم نسج وفبرك التقارير المزيفة الملفقة المضللة ضدنا، وأننا خططنا لانقلاب على السلطة وأخرجنا الناس للشوارع ولدينا خطة متكاملة ودعم من الخارج لتنفيذ انقلاب عليهم!
وبمجرد أن وجدوا الفرصة مواتية قرروا الفتك بنا وسحقنا، فاقتحموا حرمة بيتي وفتشوا كل سنتيمتر واحتلوه لمدة ثمان ساعات ونهبوا كل ما في بيتي من إلكترونيات لإثبات المخطط الانقلابي!
ثم خطفوني من وسط بيتي وزجوا بي في الزنازين الانفرادية بجهاز المخابرات، وتحقيقات ليلية لمدة شهر ونيف وعيوني معصوبة، تحقيقات عن كل رسالة في فيسبوك وتويتر والواتساب والإيميل، وكل منشور منذ عشر سنوات!
وبعد أن نخلوا كل محتويات الهواتف، حتى العاطبة والمرمية تحت السرير منذ عشر سنوات، واللابتوبات والهاردات، تيقنوا أنه لا يوجد شيء سوى السراب والوهم.
ومع ذلك أصروا على غيّهم وجورهم، وغيبوني في معتقلهم ستة أشهر رغم ثبوت نزاهتي وبراءتي.
وغيروا إيميلاتي وكلمات سر الصفحات والحسابات في فيسبوك وإكس.
ورفضوا إرجاع ما نهبوه من البيت إلا بعد عدة أشهر، رجعوا بعض الهواتف تالفة وعاطبة.
ولم أتمكن من استرداد الصفحات إلا بعد عدة أشهر، بعدما راسلت إدارة إكس وميتا وأرسلت لهم الوثائق الثبوتية أنني مالك الصفحات.
وبعد استرداد حساب إكس،بمطلع سبتمبر من العام الماضي فوجئت أنهم قد أرسلوا بالخاص رسائل لعدة أشخاص يطلبون منهم التحرك بسبتمبر، بالقول: "شغل شغّال تحرّكوا بسبتمبر!!"
وقد نشرت أغلبها بصفحاتي يومها قبل سنة، وطلبت التحقيق فيها.
وتحوّل سبتمبر الماضي إلى شهر رعب واعتقالات وملاحقات، وظللنا على أعصابنا حتى مرت المناسبة.
هذا العام، منذ شهر ونيف، حذّروا من مؤامرة خارجية ستستهدف الجبهة الداخلية يومي ٢٤ أغسطس، و٢٦ سبتمبر، والليلة صدر بيان من الداخلية يحذّر الناس من المؤامرة!!
إن سكتنا خطفونا، وإن كتبنا اتهمونا!
منذ مساء 17 سبتمبر الجاري وحتى صباح 21 سبتمبر، توقفت عن الكتابة والنشر، لأنني كنت مريضًا ومرهقًا. حتى الأغاني الوطنية التي كنت أعشق نشرها كفراشات فرح على جداري، امتنعت عن نشرها، حتى لا تُوظَّف للتنكيل بنا.
أردت الصمت، لعلهم يتركوننا وشأننا. لكن الصمت لم يَشفع لنا، فما إن أشرقت شمس 21 سبتمبر حتى داهموا بيتنا في همدان، وخطفوا أخي عارف قطران وابنه عبدالسلام من بين أسرتهما الآمنة.
كتبت حينها، لا لأنني تعافيت، بل لأن الخطف اقتحم جدار صمتي. كتبت لأشهد، لا أكثر. ومع ذلك، لم يسلموا من ألسنتهم وتهمهم الجاهزة.
إن كتبنا قالوا: نحن عملاء وخونة ننفذ أجندة عفاشية، ونقبض أموالًا من الخارج لزعزعة الأمن الداخلي.
وإن سكتنا ولم نكتب ولم ننشر، فإنهم يداهمون بيوتنا ويخطفوننا!
هكذا صارت حياتنا بين فكي كماشة:
صمتنا جريمة، وكلامنا خيانة، وبيوتنا ساحة اقتحام.
خرجت إلى همدان الجمعة الماضية، وحذّرت إخواني عارف وابنه عبدالسلام، وقلت لهم: الأوضاع متوترة، سبتمبر… اهدؤوا والزموا الصمت. لست ناقص مشاكل، ظروفنا المادية سيئة جدا لا نجد قوت يومنا، وتهم العمالة والخيانة جاهزة معلبة.
قالوا لي: حاضر، نحن هادئون بعد حالنا.
وشعرت بالإعياء والإنهاك والتعب والمرض، فتوقفت عن النشر والكتابة خمسة أيام، وإذا بي أُفاجأ بعد فجر الأحد ٢١ سبتمبر بطرق ابن أختي الأصغر باب بيتي بقوة.
ونحن نغط في نوم عميق، حاولت تجاهل الطرق، ولكنه ظل يطرق الباب بصورة مزعجة لمدة خمس دقائق.
نهضت أجيبه، وكانت نيتي أن أسبّه إذا كان طفلًا من الجيران، فإذا به يقول بمجرد أن رآني من النافذة: "١٢ طقم تحاصر بيت أخوالي في البلاد، اتصلوا قالوا تبصر ما تسوي ترفع الحملة."
ابتسمت ساخرًا وقلت له: "إيش أسوي؟ أو أنا وزير الداخلية؟ قل لأخوالك يسلموا نفوسهم."
نهضت من الفراش، أيقظت البيت كاملًا، تناولت الفطور، واتصلت بقيادي في الجماعة وقلت له: سكتنا وهدأنا وما درينا إلا بالطقوم تحاصر بيوتنا وتختطف أخي وابنه، ماذا تريدون منّا؟ من بيشتغل هذا الشغل؟ ولمصلحة من؟!
فرد عليّ: والله ما لي علم، ولا أنا قادر أعمل شيء، عادهم اعتقلوا حقي المرافق!!
والعجيبة أنه أرسل لي البارحة رسالة غاضبة وبها نبرة تهديد ووعيد لأنني أكتب وأتضامن مع أخي وابنه المخفيين قسرًا إلى اللحظة، لا ندري أين هم ولا ما هو مصيرهم ولا ما هي تهمتهم؟!
وآخر منهم يسألني على الخاص : ما هي تهمة أخوك وابنه؟!!!
وأنا بدوري أتساءل: والله ما لي علم.
إن سكتنا اعتقلونا واختطفونا، وإن كتبنا هددونا واتهمونا بالعمالة والخيانة. وكأننا أغنام ولسنا بشرًا من لحم ودم، لنا كرامة وحقوق.
ألا يكفينا الخوف والجوع والمرض والغلب، لتضيفوا لنا سجونًا ومعاناة وقهرًا وإذلالًا؟!
إلى الله المشتكى، وهو حسبنا ونعم الوكيل.