Logo

اليمن بين الرمزية والقبضة القبلية

منذ سيطرة جماعة الحوثيين على صنعاء عام 2014 برزت تركيبة معقدة للسلطة تقوم على حضور عبدالملك الحوثي كقائد أعلى وواجهة هاشمية للقيادة .

 وفي الوقت نفسه على نفوذ متعاظم للنخبة القحطانية التي سيطرت على أجهزة الدولة والقرار الأمني والعسكري والاقتصادي  . .

ومع أن عبدالملك الحوثي ليس مجرد رمز سلبي بل شريك يعلم بكل تفاصيل إدارة الجماعة فإن وجوده على رأسها منح تلك النخبة شرعية ومظلة للاستقواء . .

لقد تمكنت القيادات القحطانية القادمة من صعدة وعمران وحجة من بناء شبكة نفوذ واسعة داخل الوزارات السيادية والأجهزة الاستخباراتية والقطاع العسكري وأصبحت تتحكم في الموارد والاقتصاد الحربي .

 فيما بقي عبدالملك الحوثي المرجع الأعلى الذي يبارك هذه السياسات ويغطيها بخطابه الديني والسياسي مما سمح بتوازن هش يقوم على شراكة شكلها علوي لكن عمقها قبلي . .

هذا الوضع يجعل العلاقة بين عبدالملك الحوثي والنخبة القحطانية علاقة تبادلية فهو يمنحها الشرعية والرمزية وهي تمنحه القوة الميدانية والقدرة على البقاء في الحكم .

 ومع ذلك فإن هذه الصيغة تبقي صنعاء أسيرة لمعادلة مغلقة لا تعكس تطلعات المجتمع اليمني الأوسع الذي يزداد شعورا بالتهميش والاستبعاد من المشاركة السياسية . .

التاريخ اليمني يقدم درسا مهما من خلال تجربة بيت حميد الدين الذين حكموا لعقود بالاعتماد على الشرعية الدينية حتى سقوط حكمهم  عام 1962 أمام ثورة  شعبية .

واليوم قد يواجه الحوثيون المصير نفسه إذا استمروا في إدارة البلاد عبر دائرة ضيقة تجمع بين القيادة الهاشمية والنفوذ القحطاني دون انفتاح على المكونات الأخرى . .

السيناريوهات المستقبلية تتراوح بين استمرار هذه الصيغة القائمة على الشراكة بين عبدالملك الحوثي والنخبة القحطانية أو انزلاق الجماعة إلى صراع داخلي بين أجنحتها أو محاولة إعادة إنتاج صيغة أكثر انفتاحا تستجيب للضغوط الإقليمية والدولية أو انهيار سريع بفعل تحولات داخلية أو تدخل خارجي .

 وهذا يضع اليمن أمام مرحلة مفتوحة على احتمالات شديدة التعقيد .

إن خطورة الوضع تكمن في أن استمرار هذه البنية المغلقة يهدد بجر اليمن إلى مزيد من الانقسام والتفكك . .

 وإذا لم يتحرك العقلاء من مختلف المكونات باتجاه بناء دولة مدنية جامعة تقوم على الشراكة الوطنية والعدالة فإن مستقبل اليمن سيكون مهددا أكثر من أي وقت مضى وستظل البلاد عرضة لدورات جديدة من الصراع والانهيار . 

* سفير بوزارة الخارجية