Logo

26 سبتمبر: شروق الحرية من رحم 1000 عام من الظلام

 لم تكن مجرد ثورة، بل كانت صرخة تاريخ مكبوت وحنجرة شعب أُخرست لأكثر من ألف عام. كانت اللحظة التي قرر فيها اليمنيون أن يكسروا القيد الذي طوّق أعناق آبائهم وأجدادهم،

 وأن يغسلوا عن تراب أرضهم المقدس غبار قرون من الجهل والفقر والمرض، الذي فرضه كهنوت بغيض ادّعى الحق الإلهي في الحكم والاستعباد.

لأكثر من ألف عام، جثمت على صدورنا سلالة لم ترَ فينا إلا عبيدًا لمشروعها، وفي أرضنا إلا إقطاعية لتوريثها. حكموا باسم السماء، وهم أبعد ما يكونون عنها.

 استغلوا الدين ليكون أداة للسيطرة، وأغرقوا العقول في غياهب الخرافة، ومنعوا عنها نور العلم والمعرفة، لكي لا ترى الأجيال حقيقة سجنها الكبير. كانوا يقتاتون على جهلنا، ويزدهرون في فقرنا، ويقوى سلطانهم بمرضنا.

لقد حوّلوا اليمن، مهد العروبة الأول وحاضرة التاريخ العظيم، إلى زاوية معتمة في خارطة العالم. وأطفأوا شعلة الحضارة التي أوقدها أقيال حِمْيَر وسبأ، 

واستبدلوها بظلام دامس من التعصب والتخلف، وسوقوا الأحرار إلى غياهب السجون، وقتلوا كل صوت حاول أن يهمس بكلمة "لا".

لكن، هل يموت شعب عظيم كشعبنا؟ هل تستطيع سلالة، مهما تجبّرت، أن تقتل روح الحرية في أحفاد من سادوا البحار وبنوا السدود وشيدوا القصور؟

كانت الثورة هي الجواب.

لم تكن ثورة سبتمبر 1962 حدثًا عابرًا، بل كانت تتويجًا لنضالات طويلة وتضحيات جسام. 

كانت ومضات الأحرار في كل عصر، من ثورة الجياع إلى انتفاضات القبائل، ومن أقلام الأدباء والمفكرين كنشوان بن سعيد الحميري الذي رفض حصر الإمامة في سلالة، إلى دماء الشهداء التي روت كل شبر من هذه الأرض، كلها كانت روافد تصب في نهر الثورة العظيم.

جاء فجر السادس والعشرين من سبتمبر ليعلن أن ليل الكهنوت قد انقضى. لم تكن طلقات المدافع تدك قصر الإمام فحسب، بل كانت تهدم جدران ألف عام من العزلة والعبودية. 

كانت كل قذيفة إعلانًا بميلاد يمن جديد؛ يمن الكرامة والمساواة، يمن الجمهورية التي يتساوى فيها المواطنون في الحقوق والواجبات، لا سيد فيها ولا مسود.

لقد أنهت الثورة أسطورة الحق الإلهي المزعوم، وأعادت السلطة إلى مصدرها الحقيقي: الشعب. لقد فتحت أبواب المدارس التي كانت حكرًا على طبقة معينة، وأقامت المستشفيات في أرض أهلكتها الأمراض، وشقت الطرقات لتربط أوصال وطن مزقته العزلة.

 لقد أعادت الثورة لليمني إنسانيته المسلوبة، وكرامته المهدورة، وحقه في أن يكون سيدًا على أرضه.

واليوم، ونحن نرى بعض الظلاميين يحاولون إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، مستخدمين نفس الشعارات الكهنوتية القديمة، يجب أن نتذكر جيدًا ثمن حريتنا. 

يجب أن نروي لأبنائنا وأحفادنا قصة تلك الألف عام من القهر، ليعرفوا أن الجمهورية لم تكن منحة، بل كانت نتاج تضحيات ودماء.

إن المعركة ضد الكهنوت لم تنتهِ، فهي معركة فكر ووعي وبناء. معركتنا اليوم هي في بناء دولة العدل والقانون، في نشر العلم والمعرفة، وفي التمسك بقيم الثورة الخالدة: الحرية، والعدالة، والمواطنة المتساوية.

ستبقى شعلة سبتمبر متقدة في صدورنا، تضيء لنا الدرب، وتذكرنا دائمًا بأن هذا الشعب، الذي كسر قيد ألف عام، لن يسمح لكهنوت جديد، مهما ارتدى من أقنعة، أن يستعبده مرة أخرى. فاليمن جمهوري الهوى والهوية، وسيبقى كذلك إلى الأبد