Logo

اليمن بين الاحتقان السياسي واستغلال السلطة

 هنا تكمن المشكلة الحقيقية التي تعطل أي حوار سياسي جاد أو تحرفه عن مساره فالتدخل الخارجي يجد ثغراته في الداخل ويستغل ضعف الدولة وتشتت قواها . 

وبينما يطالب اليمنيون بحوار وطني يضمن مصالح الجميع تبرز قوى داخلية وخارجية توظف الاحتقان وتغذيه ليبقى الوطن في دائرة الصراع المستمر .

لقد تحول الاحتقان الطائفي والمناطقي إلى أداة بيد المتصارعين وأخرج الناس من ميدان السياسة والعقل إلى ساحات المواجهة العبثية التي تهدر الدماء وتشتت الجهود . 

ولم يعد الصراع يقوم على برامج أو أفكار بل على شعارات جوفاء ومزايدات عقيمة تصب في خدمة من لا يريد لليمن الاستقرار ولا لشعبه الأمان .

وفي هذا الجو المشحون يتسع نفوذ أصحاب السلطة الذين يستغلون مواقعهم للسيطرة على الوظائف العامة ونهب المال العام وتوزيع المنافع على الأقارب والأصدقاء . 

فيما يُستبعد أصحاب الكفاءات والنزاهة ويُحاصرون فتتحول المناصب إلى ملكيات خاصة دائمة لا يُزاح عنها أصحابها إلا بالموت أو الصراع .

هذا الواقع جعل غالبية الشعب تفقد الثقة في الحكومة ولم تعد تراها ممثلة له بل يعتبرها كثيرون أساس الخراب .

 وسبب الفساد فقد صارت الدولة في نظرهم أداة بيد فئة محدودة تستنزف الموارد وتغلق الأبواب أمام أي إصلاح حقيقي يحقق العدالة والشفافية ويعيد الاعتبار للكفاءة والمواطنة المتساوية .

وتزداد خطورة المشهد عندما تتداخل هذه الممارسات مع صراعات مذهبية أو مناطقية فتتضاعف الأزمات وتتحول إلى مبرر إضافي للتدخل الخارجي ولإطالة أمد الحرب .

 فالناس ينشغلون بتفاصيل صغيرة تثير الغضب فيما القضايا الوطنية الكبرى تُدفن تحت ركام الفساد والتحريض والانقسام .

إن اليمن اليوم بحاجة ماسة إلى استعادة السياسة كوسيلة للحوار لا كساحة للنهب والصراع وبحاجة إلى إصلاح عميق يوقف استغلال السلطة ويعيد بناء مؤسسات الدولة على أسس العدالة والمواطنة .

 فبدون ذلك سيظل الشعب أسير دوامة الفساد والاحتقان وسيظل المستقبل مهددًا بالضياع .

* سفير بوزارة الخارجية