الإخوان والوطن الضائع: بين شعار العابرية وواقع الفشل
"ولست أرى سوى الإسلام لي وطنًا"
كان هذا الشعار تعبيرًا واضحًا عن فلسفة جماعة الإخوان المسلمين التي لم تؤمن يومًا بمفهوم الدولة الوطنية الحديثة، إذ ارتبطت رؤيتها بالولاء للجماعة باعتبارها الكيان الأعلى الذي يعلو على الوطن، والدستور، بل وحتى على المجتمع نفسه.
فالجماعة في تصورهم هي المرجعية، وهي الإطار الجامع الذي يُقدَّم على أي انتماء آخر.
لقد رفعوا شعار “ولست أرى سوى الإسلام لي وطنًا”، غير أن كلمة “الإسلام” هنا لم تكن سوى استعارة مقصودة لمشروعهم التنظيمي، لا لروح الإسلام الجامعة ولا لقيمه الأخلاقية.
ومن هنا يتضح أن الانتماء في فكرهم ليس للأرض ولا للمواطنين، وإنما للجماعة ومشروعها العابر للحدود.
تجاربهم في مصر وتونس واليمن تؤكد هذا المعنى؛ فحين وصلوا إلى السلطة أو اقتربوا منها، انكشف أن غاياتهم أوسع من تطلعات الشعوب التي خرجت عام 2011 مطالبةً بالإصلاح والعدالة والكرامة.
بينما رأى الإخوان في تلك الثورات فرصة تاريخية للانقضاض على الأنظمة، متأهبين ليكونوا البديل الجاهز، لا لتحقيق طموحات الناس بل لخدمة مشروعهم التنظيمي الذي طالما ارتبط بفكرة “الخلافة” على النموذج العثماني.
وإذا عدنا إلى التاريخ، سنجد أن التجربة العثمانية في الوطن العربي لم تخلّف نهضة أو تنمية بقدر ما خلّفت أعباءً ثقيلة: الفقر، التخلف، الجبايات الباهظة، واستخدام العرب كقوة بشرية في حروب أوروبا خدمةً للباب العالي.
ورغم هذا الإرث المثقل، فإن الإخوان لا يزالون ينظرون إليها بوصفها النموذج الأمثل لمشروعهم العابر للأوطان.
بعد عام 2011، ركبوا موجة الحراك العربي، فحرفوا مسارها عن مطالب الإصلاح السلمية، وحوّلوها إلى مشروع إسقاط شامل للأنظمة بغية الاستحواذ على السلطة.
والنتيجة، كما نرى اليوم، لم تكن سوى انقسامات عميقة وأزمات ممتدة في أكثر من قطر عربي، بما في ذلك فلسطين المحتلة حيث لم يسلم النسيج الوطني من تداعيات هذا الفكر.
إن الدرس الأبرز من هذه التجربة أن الشعوب التي خرجت تبحث عن مستقبل أفضل، فوجئت بأن الجماعة جعلت من تلك التطلعات مجرد وسيلة لخدمة مشروعها الخاص، بعيدًا عن هموم المواطن وحقوقه وواقعه المعيشي.
* دبلوماسي وسياسي يمني