Logo

ثورة ضد النسيان

 في مثل هذا اليوم الخالد، الرابع عشر من أكتوبر، انطلقت من قمم جبال ردفان شرارة الثورة المجيدة التي بددت ظلام الاستعمار البريطاني بعد أن جثم على أرض جنوب اليمن لما يقارب قرنًا وثلاثة عقود،
 لتعلن للعالم أن هذه الأرض لأهلها، وأن إرادة الشعوب لا تُقهر مهما طال ليل الاحتلال.
كانت ثورة الرابع عشر من أكتوبر ميلادًا جديدًا للأرض والإنسان، فقد فجّر فتيلها البطل راجح بن غالب لبوزة، فانطلقت معها النيران الأولى من ردفان لتشتعل كل مناطق الجنوب اليمني بلهيب الحرية والكرامة. 
ومن تلك الشرارة، وُلد الجنوب من رحم المعاناة، وتوحدت إرادة الناس من المهرة إلى باب المندب في ثورة عظيمة أنهت استبداد ثلاثة وعشرين مشيخة وسلطنة كانت تُمزّق الجغرافيا والإنسان، وتفتح الباب واسعًا أمام بناء دولة حديثة على كامل تراب الجنوب.
لم تكن ثورة أكتوبر مجرد حدث سياسي أو ثورة كفاح مسلحة، بل كانت صرخة وعي ضد التبعية، وضد القيود التي كبلت الناس لعقود.
 ثورة هدمت جدران الخوف، وأسقطت مشاريع التقسيم، ومضت بثبات لتعلن انتهاء كل عصور العبودية والوصاية، ولتقول إن الحرية لا تُمنح بل تُنتزع، وأن الشعوب التي تؤمن بعدالة قضيتها قادرة على الانتصار مهما كانت التحديات.
واليوم، ونحن نحتفل بالذكرى الثانية والستين لهذه الثورة العظيمة، فإننا أحوج ما نكون إلى استحضار قيمها ومبادئها الأولى، قيم الحرية و الكرامة والعدالة، بعيدًا عن الأخطاء والممارسات التي جرت في مراحل لاحقة، تلك التي لا تمت بصلة إلى جوهر أكتوبر النقي، ولا تقلل من عظمتها أو مكانتها في وجدان الأجيال.
لقد علمتنا ثورة أكتوبر أن الأوطان تُبنى بالإرادة، وبالعمل ، وأن من يملكون حب أرضهم لا يمكن أن تُهزم عزائمهم مهما اختلفت الظروف وتبدلت الأزمنة. وما تزال أهدافها واضحة كالشمس: التحرر من كل قيد، وبناء دولة عادلة يسودها النظام والقانون والمواطنة المتساوية.
ستبقى ثورة أكتوبر نقطة ضوء كبيرة في تاريخ اليمن الحديث، نبراس الحرية الذي لا يخبو، ومدرسةً للأجيال تتعلم منها أن الحرية مسؤولية، وأن الاستقلال لا يكتمل إلا حين يشعر كل مواطن بالأمن والكرامة والعدل.
فلتتمسكوا بثورتكم المجيدة أيّما تمسك، ولتعلّموا أبناءكم أن هذه الثورة كانت ولا تزال وستظل المشعل الذي أضاء دروب الحرية، وأن الدماء التي أُريقت فوق جبال ردفان وكل مناطق الجنوب لم تذهب سُدى، بل كانت زيتًا لشعلةٍ لا تنطفئ.
أكتوبر مجيد.. والمجد لثورةٍ خالدةٍ صنعت تاريخًا جديدًا للأمة.