Logo

الدور الإماراتي في مستقبل التسوية السياسية والسلام في اليمن

 يشكّل الدور الإماراتي أحد أبرز المداخل لفهم موازين القوة الجديدة في اليمن وارتباطها بمسار التسوية السياسية المقبلة..

 فبعد سنوات من الانخراط العسكري والأمني أعادت أبوظبي تموضعها لتصبح فاعلاً سياسياً واقتصادياً يسعى لتثبيت الاستقرار عبر أدوات النفوذ المحلي والإقليمي وفي ضوء التطورات الأخيرة في البحر الأحمر واتساع التهديدات على الملاحة الدولية.. 

بدا واضحاً أن أمن الممرات المائية بات جزءاً من معادلة السلام اليمني وأن أي ترتيبات سياسية شاملة لن تستقيم دون ضمانات أمنية تسهم فيها الإمارات التي تمتلك نفوذاً ميدانياً واسعاً في الجنوب والساحل الغربي..

لقد ارتكزت الرؤية الإماراتية منذ بداية تدخلها في اليمن على مقاربة تجمع بين مكافحة الإرهاب ودعم الشركاء المحليين وتعزيز بنية الدولة في الجنوب ....

فدعمت المجلس الانتقالي الجنوبي وأتاحت له مساحة سياسية واسعة في مؤسسات الشرعية مما جعل القضية الجنوبية بنداً رئيسياً في أي حوار وطني قادم.... 

كما ساهمت أبوظبي في إعادة هندسة المشهد الأمني والعسكري من خلال تمويل وتدريب قوات الساحل الغربي بقيادة الفريق طارق صالح..

 بالإضافة إلى تدريب قوات محلية أثبتت فاعليتها في محاربة الجماعات المتطرفة وتأمين المدن الساحلية وهو ما منحها مكانة لا يمكن تجاوزها في أي اتفاق تهدئة أو وقف لإطلاق النار..

على الصعيد الاقتصادي حرصت الإمارات على أن يكون استقرار الجنوب قائماً على قاعدة تنموية واقعية فموّلت مشاريع البنية التحتية وأعادت تشغيل مرافق حيوية في عدن والمكلا وسقطرى وقدمت مساعدات إنسانية للمتضررين من الحرب.. 

في إطار رؤية ترى أن التنمية هي الضامن الحقيقي للسلام وتُترجم مفهوم النفوذ الناعم عبر استثمار طويل الأمد يربط الجنوب بالممرات التجارية العالمية ويحوّله إلى محور لوجستي إقليمي قادر على دعم الاقتصاد اليمني وإعادة توازنه بعد سنوات من الانهيار..

غير أن هذا الدور لم يكن بمعزل عن التحديات فقد واجهت الإمارات انتقادات من قوى سياسية شمالية وإسلامية رأت في نفوذها تهديداً لمعادلات السلطة التقليدية فيما واجهت جماعة الإخوان المسلمين وجودها في الجنوب بالسعي لإضعاف شركائها المحليين..

 لكن أبوظبي تمكّنت من تجاوز معظم هذه الضغوط عبر بناء تحالفات ميدانية مرنة تعتمد الواقعية السياسية وتوازن المصالح مع السعودية والولايات المتحدة لتأمين المجال البحري ومكافحة الإرهاب وضبط الأمن الداخلي..

وفي ضوء التطورات الراهنة فإن مستقبل التسوية في اليمن مرهون بقدرة الأطراف الإقليمية وفي مقدمتها الإمارات والسعودية على تحويل النفوذ العسكري والسياسي إلى آلية لدعم الحلول السلمية لا لإدامة الانقسام ..

فالإمارات تمتلك مفاتيح مؤثرة في الجنوب والساحل يمكن توظيفها لبناء الثقة وفرض ضمانات تنفيذ الاتفاقات الأممية..

وإذا نجح هذا المسار فستكون أبوظبي قد انتقلت من مرحلة إدارة النفوذ إلى مرحلة صناعة السلام بما يرسخ حضورها كقوة إقليمية مسؤولة تسعى إلى استقرار اليمن والمنطقة في آن واحد....

 * سفير بوزارة الخارجية