Logo

كيف تواطأ الحوثيون وترامب على خنق العمل الإنساني؟

في هذا العالم المليء بالدم والرماد، يبدو أن الرحمة أصبحت تهمة، وأن المساعدات جريمة، وأن المنظمات الإنسانية، التي كانت يوما اليد التي تمسح الدموع عن وجوه الجائعين، أصبحت هدفا مشروعا لنيران الحوثيين والرئيس الأمريكي ترامب..

 الحوثيون يعتقلون موظفي الأمم المتحدة في اليمن،  وإدارة ترامب تشن حملة على المنظمات الإنسانية وتقطع التمويل عنها ذلك ليس صدفة ولا مجرد سوء تفاهم، إنه مشهد تواطؤ غير معلن، يلتقي فيه الطغيان المحلي بالاستبداد الدولي على هدف واحد، هو خنق الصوت الإنساني الحر..

تخيلوا موظفا أمميا دخل قرية يمنية محاصرة ليقدم خبزا لأطفال جياع، في لحظة، يجد نفسه معتقلا بتهمة التجسس! وتخيلوا منظمة إنسانية عملت ليلا ونهارا في غزة لتوثيق المجازر ورفع صوت الضحايا، لتفاجأ أن دعمها قد جمد بقرار من أقوى دولة في العالم، فقط لأنها قالت الحقيقة!.

أي زمن هذا الذي يعتقل فيه من يطعم الجائع، ويعاقب فيه من يشهد على الظلم؟

قد يبدو الحوثي، الممسك بعنق صنعاء، وعدوه المفترض في واشنطن، على طرفي نقيض، لكن حين نتمعن، نرى أنهما يلتقيان في النقطة ذاتها: إسكات المنظمات الإنسانية، الحوثي يريد أن يكمم أفواه العاملين في الميدان حتى لا تكشف جرائمه، وترامب يريد أن يخرس أصوات المنظمات التي تدين الحروب وتفضح انتهاكات حلفائه..

واحد يضع القيود على المعونات، والآخر يقطع شريان التمويل، واحد يخون الرحمة باسم السيادة، والآخر يخنقها باسم المصلحة الوطنية، وكلاهما يقتلان الضمير، بطريقتين مختلفتين لكن لغاية واحدة: ألا يبقى شاهد على الحقيقة..

لا أحد يقول إن الحوثي وترامب يجلسان في غرفة واحدة ويخططان معا، ولكن هناك خيطا خفيا يشد كليهما من الطرفين، كل بطريقته يخدم الآخر من حيث يدري أو لا يدري: الحوثي يرهق المنظمات في الميدان، فيشل قدرتها على كشف جرائمه، وترامب يجفف مواردها من المصدر، فيضعفها ويفقدها استقلالها!.

لماذا يستهدف العمل الإنساني؟

لأن العمل الإنساني اليوم لم يعد مجرد إغاثة، بل شهادة، ومن يشهد يصبح خطرا، من يوثق جريمة يصبح متهما، من يطعم طفلا قد يحاسب لأنه خرق النظام!

لهذا يسجن موظف الأمم المتحدة في صنعاء، وتغلق مكاتب المنظمات في واشنطن، وتحاصر المساعدات في غزة..

كلهم يريدون إنسانية مطيعة، لا تسأل، لا تحاسب، لا ترفع صوتها، ولا تزعج جلاديها..

خلاصة القول: 

الذين يعتقلون منقذي الأرواح والذين يقطعون الدعم عنهم وجهان لعملة واحدة، عملة اسمها الخوف من الحقيقة، لكن الحقيقة لا تسجن، والرحمة لا تقتل وستظل المنظمات الحرة – رغم الجوع والخذلان – تطعم وتوثق وتصرخ،

 ستظل تذكر العالم أن الإنسانية ليست شعارا سياسيا، بل جوهر وجودنا نفسه وأن التخادم الحوثي الأمريكي مهما توارى فإن الممارسات تكشفه...