أرفض كل صوت ينتقد مهاجرًا دخل اليمن !!
منذ القدم، عُرف اليمنيون بقلوبهم المفتوحة قبل بيوتهم، وبإنسانيتهم التي لم تعرف حدودًا جغرافية ولا فوارق عرقية.
لم يكن المهاجر إلى اليمن يومًا غريبًا، بل ضيفًا وأخًا وجارًا له مكان في المائدة والمجلس والذاكرة والمهم هو إحترام النظام وتقاليد وثقافة المجتمع.
تلك الروح المتجذّرة في الإنسان اليمني منحت اليمن سمعةً لا تمحوها الأعوام، ولا تغيّرها الظروف.
فكل من لجأ إلى اليمن من إفريقيا أو غيرها وجد فيها صدورًا رحبة وأبوابًا مفتوحة. عاش القادمون بين الناس بسلام ومودة، والإخوة العرب رأوا في اليمن وطنهم الأصيل، وكأنهم بين أهلهم وفي أرضهم الأولى.
إنها فطرة الكرم والتسامح التي تميّز هذا الشعب العظيم، الذي يقول للغريب: "أهلاً بك بيننا"، حتى وإن كان يشارك الفقر ويلتحف السماء معه. ماهو مهم هو التزام الجميع بالقانون وثقافة المجتمع.
وخلال العقود الماضية التقيت بعدد من الإخوة الأفارقة ممن عاشوا في اليمن أو مرّوا بها، فكان ما يجمعهم جميعًا هو حديث المحبة والحنين إلى تلك الأرض وأهلها.
أحدهم في روتردام، ما إن علم أنني من اليمن حتى أنشد بحماس: "اليمن بلادنا"، فشعرت حينها أن اليمن لا تغادر قلب من أحبها، وأنها تبقى في الذاكرة مهما طالت المسافات.
وهكذا، في كل لقاء مع أحدهم حكاية تُجسّد معنى الأخلاق اليمنية الرفيعة التي تبقى عنوان البساطة والكرم.
حتى الدبلوماسيون الذين أقاموا فيها تأثروا بعمقها الإنساني وجمال علاقاتها الاجتماعية.
فابن السفير الليبي الذي التقيته في أحد المؤتمرات قال لي: "عندما تم تعيين والدي سفيرًا في اليمن، بكت العائلة كلها لأنها لم ترغب في الذهاب لليمن، لكننا بكينا أكثر حين حان وقت الرحيل، لأننا تعلقنا باليمن وأهلها ودفء علاقاتهم".
وأذكر ألمانيًا عاش في اليمن مع أسرته لسنوات قال لي: "كانت أجمل سنوات حياتي"،
موضحًا أن أطفاله كانوا يلعبون في الشوارع بأمان، وأن زوجته اعتادت الجلوس مع الجارات اليمنيات كل عصر في جو من المودة والتكافل، وأن الجيران كانوا يزورونه يوميًا لمجرد إلقاء التحية.
وحتى من إريتيريا أو إثيوبيا، ما زالوا يرون في اليمنيين أهلًا وشركاء في القيم والمجتمع.
هذه القصص ليست استثناءً، بل مرآة لهوية مجتمع حضاري يفهم أن الإنسانية لا وطن لها ولايغرونكم الاصوات العنصرية الشاذة.
ولهذا، لا ينبغي أن نندهش إن ازداد القادمون إلى بلادنا اليوم؛ فاليمنيون أنفسهم شعب رحّال، عرف الهجرة منذ القدم إلى أصقاع إفريقيا وجنوب شرق آسيا وعاش بينهم وتزاوج منهم، وحمل معه قيمه وعاداته أينما حلّ، حتى نشأت في إفريقيا أجيال يمنية تحمل في دمها خُلق اليمن وطباعه الطيبة.
إنني أرفض كل صوت ينتقد مهاجرًا دخل اليمن لأنه يبحث عن طريق لمكان آخر، لاننا ايضا ننزح اليهم والدنيا كتاب، فبلادنا كانت دائمًا حضنًا للآخرين ومرفأ أمان واغلب الامر محطة ترنزيت لمن احتاج إليها من الجوار، والكل لابد يكن تحت القانون والنظام.
وكما أن اليمني يتحلى بالأدب والاحترام ويلتزم بالقانون أينما حلّ في نزوحه، فإن الواجب يقتضي أن يُعامل القادم إلى اليمن بالمثل، التزامًا بروح القانون واحترامًا للنظام في اليمن.
وإذا وُجد مهربون أو تجار مخدرات أو مسلحون أو غيرهم، فيجب على السلطات أن تفرض هيبتها، كما يجب عدم التعميم، بل علينا التمييز بين المجرم وبين المهاجر والنازح المسكين الذي يبحث عن الأمان او طريق. فاليمن لا يُقاس بثرواته، بل بأخلاق إنسانه.
وحين تبقى هذه الأخلاق النبيلة حيّة فينا، يبقى اليمن الذي نحبه خالدًا في قلوب الناس كما كان دائمًا: وطنًا يعطي أكثر مما يأخذ حتى وهو في حافة الفقر والانهيار، ويحب قبل أن يُحب.