Logo

تدهور الإيرادات والحاجة إلى إصلاح فعلي في البعثات الدبلوماسية اليمنية

 تشهد اليمن في السنوات الأخيرة تصاعدا واضحا في ضغوط الدول المانحة والمؤسسات الدولية الداعمة التي باتت تربط أي تمويل جديد بتنفيذ إصلاحات حقيقية وجادة في إدارة الموارد العامة خصوصا بعد ملاحظاتها المتكررة حول الهدر الكبير في الإنفاق الخارجي وفي مقدمة ذلك موازنات البعثات الدبلوماسية..

 ولهذا جاءت توجيهات رئيس مجلس الوزراء الدكتور سالم صالح بن بريك بتشكيل لجان مشتركة لحصر وتقييم العاملين في السفارات خطوة تعكس استجابة ملحة لهذه الضغوط الدولية واعترافا بأن الإصلاح المالي لم يعد خيارا بل ضرورة لإنقاذ ما تبقى من قدرة الدولة على الصمود.

وفي ظل الأزمة المالية الخانقة تبرز واحدة من أكثر نقاط الهدر وضوحا وهي البعثات الدبلوماسية اليمنية التي تضم أعدادا كبيرة من العاملين دون مهام حقيقية..

 بينما تستمر مخصصاتهم ورواتبهم بالدولار في الصرف بشكل منتظم الأمر الذي يفوق بكثير قدرة الدولة على التحمل.

 فمعظم السفارات اليمنية تعمل كما لو كانت اليمن في ذروة الاستقرار السياسي والازدهار المالي وليس في وضع دولة منهكة تعتمد على المنح والمساعدات وتصارع من أجل تغطية الحد الأدنى من النفقات الضرورية.

وتشير ملاحظات الدول المانحة بوضوح إلى أن استمرار هذا الهدر غير المقبول يعكس غياب الإصلاحات الحقيقية التي اشترطتها المؤسسات الدولية لتحسين كفاءة الإدارة المالية ..

إذ لم يعد من المنطقي أن تعمل بعض السفارات بعشرات الموظفين بينما دول مستقرة وغنية تكتفي بموظف او موظفين محدودي العدد  فقط دون الاستعانة بموظفين محليين او سواقين او سكرتارية او طباخين او شراء سيارات متعددة كما يحدث في كثير من السفارات اليمنية.

 بالرغم من أن الظروف الحالية تفرض اعتماد مبدأ التقشف وإدارة الامكانيات المتاحة بحكمة..

كما أن استمرار تضخم البعثات الدبلوماسية يخلق انطباعا سلبيا لدى المجتمع الدولي بأن اليمن غير جادة في الإصلاح المالي ويقوض ثقة المانحين الذين يشترطون ضبط النفقات وتحسين الحوكمة قبل تقديم أي دعم جديد.. 

خصوصا وأن جزءا كبيرا من المساعدات التي قدمت خلال السنوات الماضية ذهبت لضمان استمرار الحد الأدنى من الخدمات العامة وليس لتغطية نفقات مرتفعة لبعثات خارجية متخمة بالوظائف الشكلية التي لا تمت بصلة للواقع المالي والاقتصادي للدولة.

وفي ضوء هذه المعطيات يصبح تشكيل لجان مشتركة لحصر وتقييم العاملين في السفارات خطوة ضرورية لكنها غير كافية ما لم تتبعها إجراءات جذرية تشمل تقليص الأعداد إلى الحد الأدنى وإلغاء الوظائف الوهمية وترشيد النفقات وربط الإنفاق الخارجي بمعايير الأداء والكفاءة ..

فعلى اليمن اليوم أن تثبت للمانحين وللمجتمع الدولي أنها قادرة على إدارة مواردها المحدودة بمسؤولية وأنها جادة في بناء مؤسسات فاعلة تخدم الدولة لا الأفراد وأن الدبلوماسية يجب أن تكون أداة لخدمة المصالح الوطنية لا عبئا ماليا يفاقم الانهيار..

* سفير بوزارة الخارجية