Logo

اليمن… حين تُبنى السجون بدل المدارس

في وطن أنهكته الحرب والجوع، تزرع المعتقلات كما تزرع المقابر، وتبنى الزنازين بدل المدارس، وتشيد غرف التحقيق مكان المستشفيات، هكذا أصبح اليمن — بلد الحكمة والإيمان — ساحة مفتوحة لكل أنواع القهر، تتنافس فيها المليشيات على تشييد مزيد من السجون السرية، بينما ينهار كل ما تبقى من ملامح الدولة والكرامة الإنسانية..

اليوم، لا يعتقل الإنسان في اليمن لأنه ارتكب جريمة، بل لأنّه فكر، كتب، أو قال ما يزعج سلطات لا تطيق ضوء الكلمة، المفكرون، الصحفيون، الناشطون، الأكاديميون — صاروا أهدافا سهلة في زمن التوحش، زمن تكمم فيه الأفواه لأنها نطقت بالحق، وتسحق فيه العقول لأنها أضاءت شمعة في ظلام الخرافة والجهل!.

إنّ المأساة لا تتوقف عند جدران السجن، بل تمتد إلى بيوت الأسر التي تنتظر أبناءها منذ سنوات، أمهات يذبن قهرا، زوجات يعشن على الأمل، أطفال يكبرون في غياب آبائهم وهم لا يعرفون إن كانوا أحياء أم صاروا أسماء في قوائم المخفيين قسرا، إنهم يعيشون موتا بطيئا كل يوم، لا يسمع أنينه إلا من فقد عزيزا في ليل لا ينتهي..

وفي الوقت الذي تهدم فيه المدارس فوق رؤوس طلابها، وتترك المستشفيات بلا دواء أو طبيب، تُنفق المليشيات الأموال على بناء معتقلات جديدة، وعلى أجهزة التعذيب والمخبرين، وكأنها تسابق الزمن لتشييد إمبراطوريات من الخوف، أي مشروع وطني هذا الذي يبدأ من السجن وينتهي بالمقبرة؟ 

أي “تحرير” هذا الذي يكمم الفكر ويخنق الحلم؟.

إن الوطن الذي يعتقل مفكريه يعتقل مستقبله، والذي يخفي أبناءه قسرا يخفي ضميره الإنساني، لن يكتب ليمن كهذا أن ينهض، ما لم يتحرر أولا من ثقافة القمع، ومن أولئك الذين يظنون أن السلطة تبنى على كسر الأقلام لا على احترامها..

اليمن اليوم لا يحتاج إلى مزيد من الجدران والسجون، بل إلى مدارس تعلم أبناءه أن الحرية ليست ترفا، بل حقا مقدسا، يحتاج إلى دولة تحمي العقول لا تكممها، وتقدس الكلمة لا تجرمها..

فليعلم كل من يزرع الرعب أن التاريخ لا يرحم، وأن أصوات المظلومين — وإن خنقت اليوم — ستعود يوما لتدوي أعلى من كل السلاسل والجدران..