Logo

الذكاء الاصطناعي مجرد “هدرة وفشخرة” في الجامعات العربية!!

كل يوم أرى جامعات عربية ويمنية تعلن عن افتتاح تخصص الذكاء الاصطناعي، لكن أغلبها يفعل ذلك بلا رؤية واضحة ولا فهم عميق لماهية هذا التخصص أو الغاية من تدريسه، ولا حتى إدراك لما نريد تحقيقه من ورائه. 

فهل ما يجري هو سباق في المظاهر الأكاديمية والتقليد الأعمى والاستنساخ، أم رغبة حقيقية في بناء قدرات وطنية قادرة على المنافسة؟ 

إن كانت الغاية مجرد “هدرة وفشخرة”، فاستمروا كما أنتم. أما إن كنا جادين في اللحاق بركب الابتكار وصناعة جيل يترك بصمته ويبني شركاته ويمتلك قراره التقني بيده، فلابد أن نبدأ من الأساس، من المنهج ذاته، لا من اللافتة على الجدار.

الذكاء الاصطناعي ليس مادة برمجية أو مجموعة معلومات سياحية عن الذكاء والروبوتات واستخدام ماهو موجود من أدوات كصناديق مغلقة والدردشة، بل منظومة معرفية متكاملة تبدأ من فهم العالم المحيط رياضيًا أولًا، ثم حسيًا ومنطقيًا وتقنيًا.

 لذلك يجب أن يُبنى برنامج بكالوريوس الذكاء الاصطناعي أو هندسة المعلومات، أو حتى التخصصات الحديثة مثل الهندسة الطبية أو الميكاترونيك، على محاور علمية عميقة مدعومة بمقررات تخصصية ذات توجه واحد (لا تقل عن 15 نقاط ائتمانية) تكوّن عقلًا هندسيًا قادرًا على التفكير والتحليل والإبداع، لا مجرد النقل والتنفيذ.

المرحلة التأسيسية هي حجر الأساس لكل مهندس حقيقي. فيها تُزرع مهارات التفكير الرياضي والمنطقي من خلال دراسة الجبر والتفاضل والتكامل والإحصاء والزمرة وغيرها،

 إضافة إلى البرمجة وأنظمة البيانات وأساسيات الكهرباء والإلكترونيات والميكانيكا. هذه ليست موادًا نظرية جافة، بل لغة العلم والتقنية التي يتحدث بها كل تخصص هندسي حديث، ومن بينها الذكاء الاصطناعي.

ثم تأتي مرحلة الفهم الحسي للعالم من حولنا، خصوصًا ونحن نعيش في قلب الثورة الصناعية الرابعة ونقترب من الخامسة. 

في هذه المرحلة يتعلم الطالب أنظمة الاستشعار، ومعالجة الإشارات، وتكنولوجيا القياس، وشبكات نقل المعلومات، ليكتسب تلك “الحواس” التي يتفاعل بها النظام الذكي مع الواقع ويترجمها إلى قرارات وعمليات.

 بعدها ينتقل إلى دراسة التحكم، ونظرية النظم، وتكنولوجيا الموائع، والأنظمة العصبية الحيوية، ليفهم كيف تفكر الأنظمة وتتعلم وتصحح أخطاءها وتتفاعل وتنفذ كما يفعل الدماغ البشري.

مرحلة معالجة الصور والرؤية الحاسوبية تمنح النظام “بصره الإلكتروني”، في حين يمنحه الذكاء الاصطناعي المتقدم “عقله المفكر”. 

في هذه المرحلة، يتعمق الطالب في التعلم العميق، والتعلم الآلي، واتخاذ القرار، والتفاعل بين الإنسان والآلة، وأخلاقيات التقنية. أما ذكاء اصطناعي لا يستند إلى هذه الركائز، فليس إلا قشرة فارغة لا تصلح لتطبيق صناعي ولا حتى لمجرد التجريب الجاد.

ثم يأتي التدريب العملي ومشاريع التخرج، وهما المحك الحقيقيان اللذان يُختبر فيهما الطالب لينتقل من مرحلة المعرفة إلى مرحلة الإنتاج والإبداع. هناك تتكوّن شخصيته الهندسية ويتحول من متلقٍ إلى صانع.

هذا التسلسل المختصر  ليس ترفًا أكاديميًا، بل الشرط الوحيد لبناء مهندس قادر على المنافسة في سوق عالمي متسارع. 

من يسلك هذا الطريق يصبح “جوكر التقنية”، يمتلك أدوات الميكانيكا والإلكترونيات والبرمجة والذكاء الاصطناعي، ويستطيع العبور بين التخصصات العليا بخفة وقدرة وهناك، في مرحلة الماجستير، يبدأ الطالب بالتخصص الدقيق والفرعي في المجال الذي يرغب أن يبدع فيه ويبني عالمه حسب السوق والتشعب.

إن أردنا أن نتحول من مستهلكين للتقنية إلى صانعين لها، فعلينا إعادة النظر في طريقة بناء التخصصات العلمية. الذكاء الاصطناعي لا يقوم على الإعلانات والشعارات، بل على بناء العقول القادرة على الفهم والإبداع. 

التقنية ليست وجاهة أكاديمية، بل معركة بقاء في عالم لا يرحم المتأخرين.

وأخيرًا، أي جامعة يمنية أو عربية ترغب في الاستعانة بمن في الخارج لبناء هذا التخصص وتقييم ما تخطط له، فلن يتردد احد في المساعدة، بشرط أن تتعامل باحترافية في عرض مشروعها، لا أن تكون المسألة مجرد كلام وضياع للوقت وهم لايمتلكون شيء.