Logo

عالمان مختلفان حتى على مستوى "الثقة" بالعالم

 لو أن والد زهران ممداني ترشح للانتخابات لأصبح أضحوكة. يعرف "الوالد"، وهو أكاديمي ومؤلف، الكثير عن البلدان والتاريخ، وعن الممكن والمستحيل، وبمقدوره أن يفحم ولده في أي نقاش مفتوح.  ولكنه، شخصياً، صار جزء من الماضي. 
يشبه الأمر معضلة "الكاتب الكبير" الذي يبيع ٣ آلاف نسخة من روايته، والشاب الناشئ الذي تطبع روايته عشرات المرات. 
لكل جيل أبطاله، قواعده وحساسيته. بالأمس قال استطلاع لبيو سنتر إن معدل ثقة الجيل زد بالسوشال ميديا يتجاوز ال ٤٠ في المائة، في حين لا تزيد النسبة عن ٥ في المائة لدى الناس فوق ٦٥ عاماً. 
عالمان مختلفان حتى على مستوى "الثقة" بالعالم. 
في تركيا عجز حزب الشعب الجمهوري عن إنجاز اختراق ذي قيمة أمام حزب أردوغان (العدالة والتنمية) في كل الجولات الانتخابية على مدى ربع قرن تقريباً. 
غير أن خروج الكهل أوغلو  ودخول الشاب أوزال إلى القيادة، بالتوازي مع حقيقة أن أردوغان بات كهلاً من الماضي بالنسبة للأجيال الحديثة، غير القواعد، ونجح الحزب الجمهوري لأول مرة في الانتخابات البلدية، متقدما على الحزب الحاكم. 
بل دحر أردوغان في أهم حواضر تركيا. 
البقاء في قمرة القيادة لمدة طويلة ليس بالأمر الجيد، لا على مستوى الحزب ولا المؤسسة ولا الدولة. 
في البلدان التي تشهد انغلاقاً سياسياً شاملا، كاليمن، فإن تغيير الواجهات القيادية لدى كافة الكيانات (المكونات) قد يحرك المياه الراكدة فعلاً. 
ولو أن الشيخ بدر الدين الحوتي دعا إلى الثورة ضد الجمهورية لما صعد معه إلى الجبل سوى رجلين. 
ولكن ابنه عبدالملك ذهب إلى المعركة وهو ابن ٢٢ عاماً فوصل إلى صنعاء، ومن خلفه العويلة والبنادق، وهو في ال ٣٢ من عمره. ويمكننا القول إن جزء من التعقيد الحاصل في اليمن  سببة حداثة سن عبدالملك ومعاونيه. 
لاحظوا أن الناس الذين خرجوا مطلع الألفية ليحملوا أردوغان على الأكتاف حل محلهم جيل يفكر ألف مرة قبل التصويت له، وهذا جزء من الأزمة السياسية التي انزلقت إليها تركيا مؤخراً: الماضي الذي يرفض أن يرحل، والمستقبل الذي يريد أن يولد. 
وبصورة واضحة أكثر فإن هذه القاعدة تسري على حزب الإصلاح اليمني، أكبر الأحزاب. يرفض الحزب تجديد نفسه من الداخل، ويصبح أكثر فأكثر منظومة إثنية، أكثر منه كياناً سياسياً مفتوحاً. 
فلم يعد يلتحق به سوى أولئك الذين ولدوا لأبوين إصلاحيين! وربما لأم إصلاحية على الطريقة التوراتية. فقد الحزب قدرته على الجذب والإلهام، ولم يعد قادمون جدد يطرقون بابه إلا في سيناريوهات محددة. 
كان قبل عشرين عاماً - في كهولية أحزاب اليسار وعشوائية حزب السلطة - بديلا شعبياً جذاباً، حتى بالنسبة للحياة السياسية البدائية التي كانتها اليمن. الأحزاب السياسية المعافاة والمتجددة تضيف مياهاً نظيفة لحياة البلدان. 
كان يعد الناس بالرفاهية الدنيوية والعمل الصالح، وكان الناس يصدقونه. نجحت قيادته آنذاك في الاختباء خلف أئمة منابر حديثي السن استطاعوا أن يغيروا القواعد إلى مدى بعيد. ثم اكتهل الحزب وطعنت قيادته في السن، وفقدت ثقة الناس. 
ماذا لو صار شاب في ال ٢٦ من عمره قائداً لحزب الإصلاح؟ سيتفاعل السوشال ميديا مع الحدث لأشهر طويلة، وسيخرج هو ليعبر عن رؤيته السياسية وفكرته حول العالم. ستكون خليطاً مما هو إشكالي وحداثي. 
سيدعى للنقاش على مستويات عديدة، وأول ما سيعود به من حديثه إلى العالم هو ثقة متزايدة بقيادته، ووعود بالعمل معه.
 يرغب الناس في الخروج من دائرة التوجس وسوء الظن إلى العمل المشترك القائم على الثقة، وتلك خطوة تتطلب إشارات جيدة وجادة. الفوانيس القديمة لا تضيء بما يكفي لبناء الثقة. 
 لو كان أحمد الشرع في السبعين من عمره لما أثار كل هذا التفاعل والانتباه، ولما حصل على ثقة متزايدة وهو جهادي سابق. القادة الفلسطينيون الذين قرروا خوض المنازلة بقيادة أبو عمار كانوا في أواخر العشرينات من أعمارهم حين اجتمعوا في الكويت وأطلقوا على  
حركتهم اسم "حتف": حركة تحرير فلسطين. قبل أن يعترض أحدهم قائلاً: بلاش هذا الاسم المخيف، دعونا نكتبه بالمقلوب. 
آنذاك كانت الواجهة مليئة بكهول فلسطين، وكانوا قد صاروا إلى موظفين بيروقراطيين يُنتظر منهم أن يذهبوا ويعودوا بالبلاد.
 تذكروا أن اليدومي الذي يقود حزب الإصلاح تجاوزت مدة "رئاسته" كل قادة العالم، ولا يتفوق عليه في طول مدة الحكم سوى الملك سوبهوزا الثاني، الذي حكم سوازيلاند لثمانية عقود. 
وكما لا تلاحظون، فلا أحد فينا يعرف من هو سوبهوزا الثاني؛ ولا أين هي سوازيلاند. 
يفعل القائد المسن خيراً حين يأخذ سجادته ومسبحته ويعود إلى القرية.