Logo

اليمن في قبضة محاكم التفتيش الحوثي

 لم يعد خافيا على أحد أن ما تمارسه جماعة الحوثي في اليمن يتجاوز كل حدود السياسة والاختلاف، ويتعدى كل الأعراف الدينية والإنسانية، فالجماعة التي خرجت على الدولة بانقلاب مسلح، لم تكتفِ باغتصاب السلطة ونهب مقدرات البلاد، بل ذهبت إلى ما هو أعمق وأخطر: تحويل اليمن إلى سجنٍ كبير تكمم فيه الأفواه، وتسحق فيه الكرامة الإنسانية تحت أقدام الجهل والبطش..

لقد نصبت هذه الجماعة نفسها قاضيا وجلادا، وأعادت إلى الأذهان عصور محاكم التفتيش التي كانت تلاحق كل صاحب فكر حر، أو كلمة جريئة، أو رأي مخالف، فالمعتقلات الحوثية – الظاهرة منها والمخفية – تضج بالمفكرين، والكتاب، والصحفيين، والناشطين الذين لم يحملوا سلاحا، بل حملوا أقلامهم وأفكارهم دفاعا عن وطن أرهقه الانقلاب، وأرهقت أبناءه آلة القمع..

إن ما يحدث اليوم في مناطق سيطرة الحوثي ليس مجرد “إجراءات أمنية” كما يحاول إعلامهم تزييفه، بل نظام قمع ممنهج هدفه إخضاع الإنسان اليمني وتدمير وعيه. 

تعتقل الكلمة قبل أن تقال، وتكفر الفكرة قبل أن تفهم، ويهدد كل من لا يسير في الركب الحوثي بأنه عميل أو مرتزق أو “داعشي”، وهي التهمة الجاهزة التي تبرر بها الجماعة جرائمها ضد كل صوت مختلف..

لقد حول الحوثيون المساجد والمدارس والجامعات إلى أدوات تعبئة طائفية، وزرعوا في عقول النشء خطاب الكراهية والعنف، بينما يزجون بالمفكرين الحقيقيين في الزنازين المظلمة. أي نفاق هذا؟ وأي خيانة للفكر والإنسان والوطن؟.

والأدهى من ذلك أن هذه الجماعة، وهي تزعم مقاومة “العدوان الخارجي”، كانت أول من استدعى هذا التدخل بتمردها المسلح وانقلابها على الشرعية، لتضع اليمن في قلب صراع إقليميٍ لا ناقة للشعب فيه ولا جمل، هكذا حولت البلاد إلى مسرح للفوضى، وجعلت من اليمنيين وقودا لمشاريع خارجية غريبة عن روحهم وهويتهم وتاريخهم!.

إن ما يجري اليوم هو اغتيال منظم لليمن، ليس بالرصاص وحده، بل باغتيال الكلمة، والفكر، والإنسان، وما لم ينهض اليمنيون جميعا – بمختلف انتماءاتهم – في وجه هذا الكابوس، فإن البلاد ستبقى رهينة لمجموعةٍ مهووسة بالسلطة، ترى في كل حر عدوا، وفي كل مثقف خطرا، وفي كل فكرة جريمة تستحق السجن أو الموت..

لقد آن الأوان أن نقولها بوضوح: عصابة الحوثي ليست مشروع دولة، بل مشروع دمار شاملٍ للوطن والوعي والإنسان..