نحن اليمنيون… كيف أهدرنا الحكمة وتخلينا عن أنفسنا؟
قيل عنا إننا أهل الحكمة، وإن فينا رزانة التاريخ وعمق الحضارات التي صنعت أول دولة في جنوب الجزيرة ورفعت سدودها إلى السماء، شهد لنا رسول الله بأن الإيمان يمان والحكمة يمانية، ولكن… أين ذهبت الحكمة اليوم؟
وكيف تحول شعب بهذه العراقة إلى جماعات متناحرة، تساق إلى المعارك كأنها بلا وعي، وتغرق في صراعات لا نهاية لها؟.
لقد أضعنا هويتنا اليمنية الحقة عندما استبدلناها بأقنعة مفخخة بشعارات الآخرين ومشاريع الآخرين وأطماع الآخرين، أنفق غيرنا المليارات ليبني نفوذه ومصالحه، بينما أنفقنا نحن دماءنا لنهدم وطننا بأيدينا..
نقف ننظر إلى خرائبنا، ثم نلوم كل شيء… إلا أنفسنا، صرنا نتصيد بعضنا في كل منصة، وكل قبيلة، وكل مدينة، صرنا نشتم أنفسنا ونطعن تاريخنا ونحتقر ما تبقى من ثقة بيننا،
بل وصل الأمر—يا للمفارقة المرة—إلى أن نسخر من بعضنا بلسان يظن أنه قوي، بينما العالم كله يسخر من مشهد التمزق الذي نغذيه بحقدنا!.
أي هوية تلك التي نبحث عنها؟
نحن الذين افترسنا بعضنا باسم الانتماء، حتى لم يعد أحد يعرف لمن ينتمي، ولا لماذا يقاتل، ولا من المستفيد! صرنا كالسجناء بلا جدران ولا أبواب، سجناء داخل دوامة من الكراهية والرغبة في الانتصار الزائف، سجناء داخل مقعد سلطة لا يساوي شيئا، مقعد عفن زائل، نحارب من أجله ونموت دونه وكأنه هو الوطن!.
لقد فقدنا الإحساس بالحياة…
نعم، فقدناه حين صارت دماء الناس مجرد أرقام في نشرات الأخبار، وحين أصبح القاتل بطلا والناجي متهما، وحين صار البقاء على قيد الحياة عملة نادرة..
لم نعد نقدر أنفسنا، فرفعنا غيرنا فوقنا، نسينا أننا أصل الحضارة في هذه الأرض، فصرنا نطلب هوية من هنا وهناك، ونبحث عن رضا من هم أصغر منا تاريخا، ولأننا لم نعد نؤمن بذاتنا، أصبحنا نقبل أن يحدد مستقبلنا من خارجنا، ونقبل أن نتفرج على وطن يتآكل قطعة قطعة!.
يا أبناء اليمن… من يعيدنا إلى أنفسنا؟
لن يعيدنا أحد.
لن ينقذنا أحد.
لن يوقف النزيف أحد… إلا نحن..
الحكمة التي كانت لنا لم تمت، لكنها تحتضر، والهوية التي ضيعناها لم تختف، لكنها اختبأت خلف دخان الحرب، تنتظر من ينتشلها من فم الفتنة..
لقد آن الأوان لنستفيق، أن نفهم أن كرامتنا لا يصنعها سلاح، ولا ترفعها تبعية، ولا يحميها صراع، أن ندرك أن اليمن ليس ورقة في يد الآخرين، ولا غنيمة لطامعين، ولا ساحة لتجارب الدماء..
آن لنا أن ننظر في المرآة بلا خداع ونقول:
نحن من أهدر اليمن… ونحن من يستطيع إنقاذه، فهل آن الأوان لأن نكون مع الوطن وليس مع من يمزقه ويدمره؟.