Logo

رهاننا ليس على الانفصال والتقزّم، بل على ركيزة القوة وفرصة التحوّل!!

 يمثّل الخزان البشري في اليمن جوهر قوته الاستراتيجية، والعنصر الحاسم في معادلة مستقبله السياسي والاقتصادي والاجتماعي، بل وفي معادلة الأمن والاستقرار الإقليمي العربي. 

فعلى الرغم من ظروف الحرب المستمرة منذ أكثر من عقد، شهد اليمن خلال هذه الفترة ولادة أكثر من اثني عشر مليون طفل، ليرتفع عدد سكانه في عام 2025 إلى أكثر من ثلاثة وأربعين مليون نسمة. 

هذه الزيادة الديموغرافية تجعل اليمن يتقدّم سكانيًا على مجموع دول الجزيرة العربية مجتمعة، ما يعيد رسم موازين القوة في المنطقة ويفتح الباب أمام تحولات استراتيجية بعيدة المدى.

إن هذا النمو السكاني هو ركيزة القوة وفرصة التحوّل، الذي تُشير الإسقاطات الإحصائية إلى أنه قد يتجاوز خمسةً وخمسين مليون نسمة خلال عقدٍ  الى عقدٍ ونصف، يمكن النظر إليه من زاويتين متناقضتين. 

فهو من جهةٍ عبءٌ ثقيل على الحكومات والقيادات الفاشلة والفاسدة، ولا سيما إذا ظلّ خارج نطاق التخطيط والإدارة، ومن جهةٍ أخرى فرصة استثنائية لبرمجة مشروعية الدولة القادمة في مسار التحول التنموي، 

إذا ما جرى توجيهه ضمن مشروع وطني مدروس ورؤيةٍ إقليمية متكاملة. وهنا تكمن المشكلة اليوم في الحالة اليمنية لا في محدودية الموارد الطبيعية، 

بل في غياب القدرة المؤسسية والسياسات الحكيمة على تحويل السكان من مجرد أرقامٍ متزايدة إلى رأس مالٍ بشري منتج. 

فالدولة اليمنية الضعيفة، بما يرافقها من صراعاتٍ متكررة وانقساماتٍ مناطقية ومذهبية، تبقي الكتلة السكانية في حالة استنزافٍ دائم، وتُفقدها قيمتها كموردٍ استراتيجي فاعل.

وقد أدركت القوى الخارجية المستهدفة للمنطقة مبكرًا أن “الخزان البشري اليمني” يمثل جوهر القوة اليمنية الحقيقية، فسعت إلى تحييده عبر مشاريع تُغذّي الانقسام الداخلي وتنشر المناطقية والسلالية وتُعرقل أي مسارٍ للاستقرار أو لبناء الدولة الحديثة. 

وكانت أدواتها الدفع بالمتناقضات إلى الواجهة، فبرزت شخصيات دون بوصلة أو رؤية، اختزلت اليمن بعُقدها الصغيرة. 

والنتيجة أن ملايين اليمنيين أصبحوا جزءًا مما يمكن تسميته “اقتصاد الصراع” أو “اقتصاد البقاء” — أي العمل اليومي المرهق الخالي من أي إنتاجية طويلة الأمد أو تحولٍ تنموي،

 تنتهي معه كل أسرةٍ أمام كارثةٍ جديدة بفعل الاندفاع غير الواعي في مشاريع لا تعرف من يديرها ولا إلى أين تمضي.

 وهنا تكمن المفارقة الكبرى: فاليمن يمتلك كتلة سكانية ضخمة تمتد عبر الفضاءات الخليجية والعربية والدولية، إضافة إلى ثرواتٍ مالية مهاجرة كبيرة، لكنها لم تُستثمر ضمن رؤية وطنية مشتركة تحفظ كرامة الإنسان اليمني ومصالح الجميع في آنٍ واحد.

ولذا اجد إن التحول الديموغرافي السريع في اليمن هو صمّام بقاء الجغرافيا اليمنية، وصمّام فشل مشاريع الخارج، وصمّام هزيمة الطائفية والمناطقية، لكنه لا يجب أن يُقرأ ضمن إطارٍ محلي ضيق، بل في إطار رؤيةٍ عربية تكاملية تعتبر الإنسان اليمني رصيدًا استراتيجيًا للمنطقة بأسرها، لا عبئًا عليها. 

فالمعادلة الصحيحة بين السكان والتنمية لا تقوم على كبح النمو السكاني، بل على تفعيل القدرة الإنتاجية للسكان من خلال التعليم النوعي والتأهيل المهني، وبناء اقتصادٍ معرفي قادر على امتصاص الطاقات البشرية وتحويلها إلى قيمةٍ مضافة.

 فالتجارب المقارنة التي شهدها العالم — من الصين إلى الهند، وماليزيا، وفيتنام، وإندونيسيا وغيرها — تؤكد أن الكثافة السكانية ليست قدرًا مهدِّدًا، بل فرصة تاريخية حين تُدار بمنهجٍ تنمويٍ رشيد قائم على التعليم والتخطيط والتصنيع.

ومن هذا المنطلق،  تفرض علينا الرؤية المستقبلية للوضع اليمني التعامل مع الخزان البشري كأعظم قوةٍ غير مستثمَرة في المنطقة. 

فاليمن لا تنقصه الموارد، ولا تنقصه العقول، بل تنقصه الإدارة القادرة على توجيه هذين الموردين نحو مشروعٍ حضاريٍ جامع، عوضًا عن استنزاف المجتمع اليمني في صراعاتٍ لا تُنتج سوى الخراب، ومجالس لا تصنع رغيفًا ولا تحفظ كرامة.

 فحين يتحول الإنسان اليمني بفكره وإرادته من مجرد أداةٍ للآخرين إلى عنصرٍ للبناء والوحدة، يتحول اليمن بأكمله من ساحة صراعٍ إلى قاعدة توازنٍ واستقرارٍ وتنميةٍ للمنطقة بأسرها.

وفي الختام أقول رهاننا ليس على الانفصال والتقزّم، بل على ركيزة القوّة وفرصة التحوّل. 

رهان على الإنسان اليمني، على وعيه وإرادته، وعلى قدرته أن يجعل من محنته منطلقًا لنهضته، ومن صموده مشروعًا لمستقبلٍ تتعايش فيه الأجيال على أرضٍ واحدةٍ وكرامةٍ واحدة. 

وكل عام وانتم واليمن بخير.