سلطة الغيب

عندما تكون هناك سلطة لديها أحلام عصرية متعلقة باحتياجات مواطنيها الأساسية من التعليم والصحة والمأكل والمشرب والسكن ، يكون هناك دائماً على أية حال مجتمع متعايش يؤمن بالعقل وبالمعرفة وبالتطور.

وعندما تكون هناك سلطة تعيش على أحلام غيبية متعلقة بأحقاد موقعة الجمل يكون هناك بالتالي مجتمع مفكك يؤمن بالخرافات وهذا بحد ذاته أمر بالغ السوء ويساعد على نشوء نخبة حاكمة كذابة تسخّر كل المقدّسات لصالح وجودها السياسي، فيما تكون ثروات البلد حينها قد أصبحت في متناول إيادٍ تستغل الغيب وتفسّره لصالح معتقداتها الخاصة، ولإسعاد فئة معينة على حساب فئة أو فئات أخرى، وينشأ مجتمع البغضاء.
وعندما يكون هناك مجتمع البغضاء تكون الكراهية قد اصبحت وجبة يومية ميسرة يتعاطها الناس كسلوك أصيل ، فينقسم المجتمع على بعضه، ويسهل بالتالي تطويع البسطاء من الناس لصالح سلطة الغيب التي تقتات أساساً على شتات الأذهان وعلى تصورات العامة للطاعات وللعبادات بالطريقة التي سوقتها لهم سلطة اجترار أحقاد التاريخ.
وعندما يحدث ذلك بشكل متكرر دون أي امتعاض أو تذمّر من قبل النخب الحاكمة، أو من قبل صانعي القرار في الأحزاب السياسية، يكون المجتمع حينها قد أصبح كذاباً ومرابياً ومنافقاً، ويكون الله والرسول والمقدّسات كلها لدى سلطة الغيب السارقة مجرّد وسائل سحرية لممارسة الاستغفال على البسطاء.
ليس في اليمن فقط، بل في كل العواصم العربية التي سقطت في أيدي الجماعات الدينية المختلفة، استطاعت سلطات الغيب أن تقوّض أحلام المجتمعات وأن تدمر طاقاتها وتجعل منها مجرّد مجتمعات بلا مستقبل
فيما أصبح أفراد تلك المجتمعات، أو لنقل غالبيتهم مجرّد أوادم لا يكترثون أبداً لأي خسارات دنيوية ولا يتحسّرون على أي نعيم يفوت عليهم، ولا يقيمون للمستقبل أو للحياة ذاتها أي اعتبار، حتى وهم في جحر الحمار الداخلي، يكون في اعتقادهم دائماً أن أي شيء يتسبّب في تعطيل حياتهم ما هو إلا مجرّد ابتلاء سماوي من الله الذي إنْ أحبّ عبده ابتلاه.