دلالة وفاة هويكنج في تاريخ احراق كتب ابن رشد.. وهل انتهت مهمة الدين

لقد كانت المفارقة فاضحة، فبينما كان العالم يحتفل في يوم 14 مارس بعيد ميلاد العالم البرت اينشتاين، وباليوم العالمي المهم في علم الرياضياتيوم العدد طالذي وضعه جوجل على صفحته، وايضا يودع العالم ستيفن هويكنج الذي تزامن تاريخ وفاته في نفس اليوم، كان الوطن العربي يشيع جهله على الملاء.

فقد كان كل ما يهم الراي العام العربي هوهل يجوز الترحم عليه ام لافي هذه اللحظة التي تسحق عقلك، تشعر انك مازلت عالقا في القرن العاشر بجانب المحرقة ، حيث احرقت كتب ابن رشد بتهمةالالحاد

حين بحثت عن تاريخ احراق كتب العالم العربيابن رشدكانت المصادر تشير الى انها احرقت في تاريخ 16 مارس، قبل 819عاما من الان، معلومة صاعقة، هل هي مصادفة كونية، اما مفارقة مؤلمة، ام اشارة تريد ان تقول لنا شيئا.

هل فعلا مازالنا عالقين هناك بين رماد الكتب، وما اشبه هذا الحطام والدمار الذي نعيشه اليوم بتلك اللحظة، الا تجد تشابها بين نار الحروب العبثية التي تشتعل اليوم هنا وهناك ، وتلك النار اللعينة التي ارسلت تاريخنا الى الجحيم.

انه تاريخ فارق جدا في نمو حضارتنا التي اندثرت، والتي من يومها شهدت الحضارة الاوربية تطورا مذهلا يحترم العقل ،ابن رشدالمعروف في الغرب باسمافيرويسحفظت كتبه عن الفلك والطب والرياضيات في المكتبة الاوربية، بينما افنيت نسختها العربية.

فمالذي يريد ان يقوله لنا هذا التاريخ اللعين، لعبة الارقام في تطور التفكير والحضارات والامم، لها مدولودها، هل مازلنا في القرن العاشر ولم نصل بعد للقرن الواحد والعشرين.

هؤلاء العلماء الذي نسمع عنهم ، كل ما يهمنا منهم انه لايجوز الترحم عليهم، تم اختصار كل ما كتبوه في جملة واحدة هل هومؤمن ام ملحد، وبالاصحهل هو مؤمن على طريقتنا ام ملحد وكافر بطريقتناهذه هي كل القصة. وهي ذاتها الجملة التي احرقت كتب ابن رشد بتهمةالالحادهل وضحت المفارقة، انها اذا ليست مفارقة رقمية فقط بين تاريخ 14 و16 مارس .

هذه هي المعضلة التي افنت فرصتنا الاخيرة في التطور، انتهى ذاك الوقت حين كان الطالب الاوروبي يستقي علمه من المكتبة العربية في الاندلس، ويدخل في لغتة كلمات عربية ليقال عنه مثقف وعالم، دلالة على تفوق العقل العربي حينها.

منذ انهيار الحضارة الفكرية في الاندلس لم نشهد حضارة بعدها، حيث كان هذا اخر ظهور لابن خلدون، هل يعقل ان علم الاجتماع لم يشهد تطورا منذ ابن خلدون، حتى ان المفكر المغربي الراحل محمد عابد الجابري ركز على هذه الاشكالية في العقل العربي. لم تتطور علومنا منذ اخر ظهور حقيقي لها في الاندلس لماذا؟

صرنا بعيدين بفارق سنين ضوئية عن عصر جاء فيه علماء غربيون ، واكتشافات جديدة، وعالم جديد، لنتحول الى مستهلكين نهمين، وايضا ناقمين، ونشعر بتلك الافضلية المريعة عن باقي الجنس البشري فقط لاننامسلمونفما هو الدين، وما هو الايمان والالحاد، الذي يحق لنا به محاكمة اخرين، وافناء علمهم او طمس معالمهم، وان نعطي لانفسنا الاحقيقة في اعطائهم صك النجاة والحقيقة ،ومفتاح الجنة.

ان للدين وظيفة محددة كلاسيكية، وهي توضيح الطقوس الروحية، الاجابة على كانت اسئلة مبهمة، والتأكيد على وجود خالق، وهذه المهمة الكلاسيكية للدين انتهت، مع انقطاع ارسال الرسل، انتهت مع توقف الوحي، انتهت مع انتهاء عصر النبوة، وجاء دور العلم للاجابة على الاسئلة الاكثر عمقا عن الكون والحياة.

ولكن هذه الطريقة لاتروق لمن لايملكون العلم ويملكون الدين، او بالاصح للذين ورثوا الدين ونصبوا انفسهمورثة الانبياءفلما لايكون ستيفن هويكنج هو ورثة الانبياء وليس الامام الديني في باحة مسجد الحي

رجال الدين الذين سخروا انفسهم للحكم باسم الله على الناس، ساهموا في انشاء اجيال من الجهلة، تروج لهم ولافكارهم، ضد العلم والعلماء الغربيين خاصة، بانهم ملحدين، لانهم لايؤمنون بالخالق بالطريقة التي يؤمنون بها. او بالاصح لايسلمون بسلطتهم

ان انتهاء السلطة الدينية في الغرب سمح للعقل بالتحرك والتطور، ولكن هذا انهى دور رجال الدين وسلطتهم الى الابد، وتحولوا الى رمز للقيام بالدور الكلاسيكي للدين، في اطار حدود الكنيسة، انه لم يفقد دور الدين بل دور الكنيسة

وهذا ما لايريده العلماء المسلمون، ويرون هذا اليوم كابوسا، لذلك يتم محاربة كل اشكال العلمانية، واتهمامها بالكفر، وتضليل معناها الحقيقي، ومازال يكفر الالاف من ابن رشد وليس اخرهم نصر حامد ابو زيد.

لقد صار الدين سوط ووصاية، ووسيلة للنفوذ والسلطة، ومسخر لبسط السلطات السياسية، وها انت ترى اين نحن الان، حروب مليشيات دينية ضد اخرى، وكلها باسم الدين وترفع شعار الله وجميهم حزب الله وانصاره وحماته ورافعوا رايته واهل خلافته، اي كارثة نحن فيها الان

اسم الله يرفع على راية صفراء او سوداء لتشريع القتل والحروب الطائفية، بين سنة وشيعة، داخل الاسلام نفسه، فالاسلام لم يعد يقبل نفسه، فهل سيقبل عالما بريطانيا كستيفن هوكينج يقول كلاما اخر خلاف لما يقوله علماء السنة والشيعة، او سيقبل عالما يهوديا غير متدين كاينشتاين يقول بالنظرية النسبية التي حلت لغز الكون، ولم يكلف العربي نفسه لمحاولة فهمها بعيدا عن عمامة الدين