إلى أن نلتقي

من الأمور الجديرة بالعجب عندنا، أننا نتعاطى القات بضمير مطمئن، وفي الوقت نفسه نحرِّم الخمرة، ولا نتسامح مع شاربها أو بائعها، مع أنه لا فرق بين القات وبين الخمور اللهم إلا من حيث درجة تركيز المادة المخدرة، فإنها في الخمور أكثر تركيزا منها في القات، لكن الفرق بين شيئين إذا كان في الدرجة، لا في النوع، فإن من المتفق عليه أنه ليس فرقا ذا بال، وأنه يجب ألا يعد فرقا.

نعم إن القات يختلف عن الخمر في أنه يحتوي على مادة منشطة إلى جانب المادة المخدرة، لكن هذا الاختلاف-مرة ثانية- ليس ذا أهمية، لأن متعاطي القات لا يتناوله لأجل ما فيه من مادة منشطة، وإنما لأجل ما فيه من مادة مخدرة يتناوله، وسعيا وراء النشوة الروحية التي تخلقها هذه المادة، وعلى ذلك لا فرق بين متعاطي القات وشارب الخمر، من حيث الدوافع والغايات، وهما أهم ما في الأمر. والذي يعتقد أنه يتناول القات لأن القات يساعده على إنجاز ما يجب عليه إنجازه، ما هو إلا واهم من الواهمين، والحقيقة أنه يفعل ذلك بحثا عن النشوة، والنشوة التي يجدها في القات هي التي تجعله يتوهم أنه يساعده على إنجاز أعماله. أما من يريد أن ينجز عملا من الأعمال، فهو ليس بحاجة إلى القات ولا إلى غيره، لأن من شأن القات أن يعيقه عن الإنجاز، لا أن يساعده(وهذا أمر مجرب ولا يحتاج إلى إثبات).

وما دام أن الدافع إلى شرب الخمر هو نفسه الدافع لتعاطي القات، فلا يمكن أن يكون القات إلا شيئا حراما، لأنه لا يستقيم -منطقيا- أن نحرِّم شيئا يقبِل عليه الناس لغرض بعينه، ثم نحل لهم شيئا يقبلون عليه لنفس الغرض، ويجدون فيه ما كانوا يبحثون عنه في الأول.

أما إذا اعتبرنا القات مباحًا، ولم نستطع أن نمنع أنفسنا عنه، فإن المنطق يقضي بأن يكون لنا الموقف نفسه من الخمور وما شابهها، لاسيما أن الخمر أفضل من القات لأنه أهون شرًا منه، فهو إنساني* أكثر من القات، وأضراره الصحية والاجتماعية والاقتصادية أقل بكثير من القات، إلى حد أننا نظلمه بمقارنته بالقات.