عن شوارع اليمن التعيسة أكتب لكم…

لغالبية الشوارع اسم شعبي، يحتفظ به الناس،  واخر رسمي تطلقه البلديات كاسم رسمي يجب ان يوثق في السجلات، فتكون العناوين بالاسماء الرسمية للشوراع خريطة مبهمة المعالم، يجري تعريفها بالاسم الشعبي  الذي يتداوله الناس

 الناس هم اصحاب الشوراع وسادتها، لايمكن لاي حكومة ان تنافس الناس على سيادتهم، يبقى لها الاسم الرسمي الذي يفقد قيمته وتداوله ، حدث ذلك في شارعهايل”  في قلب العاصمة صنعاء.

هايلهو الاسم الشعبي او القديم لواحد من اهم الشوراع الحيوية في المدينة، نسخ الناس الاسم في وقت لم تكن الحكومة تهتم باسماء الشوراع الهامشية، حين كانهايلهامشيا، اتذكر وقتها كانت المباني متواضعة، والشوراع مهملة، والمجاري تطفح دون اهتمام، رائحة شارعهايلكانت عار على جبين الحكومة التي لا تهتم.

وبقي هايل يشكو لسنوات ، كشارع متواضع ببضع محال تجارية، يسكنه ابناء الطبقة المتوسطة، من كل المحافظات وخاصةتعز

في طرف الشارع او في بدايته، يقع جامع ابيض انيق صغير ومتواضع ، اسمه جامع  “هايل سعيد انعم، وهايل هو الاب المؤسس للصورة الشعبية  للتاجر اليمني الخير.

واحد من اهم رؤوس الاموال في البلد، ان لم يكن اهمها على الاطلاق، ترك تركة من النماذج الاصيلة، ومن المصانع التي اقفلتها الحرب، ومن الورثة غير المعروفين، ومن الكثير جدا من السمعة الطيبة والناس الذي يدعون له بالرحمة.

 هو ببساطة  لم يكن يمثل صورة الراسمالية الجشعة، قدم نفسه  كمثال التاجر اليمني البسيط  الودود، السمح،  والمتسامح، كما هي طبيعة اليمني البسيط، الرجل الذي ابقى على كل مصانعه في اليمن داخل  مدينة تعز، وبرغم توسعه العالمي في مدن اسيوية وافريقية وعربية، بقي وفيا لمدينة الام، لدرجة ان غالب بيوتتعز″  كان فيها عامل او موظف يعمل في احدى مصانعه او شركاته، لم تكن كل ثروته مكدسة في اليمن، كان كأي تاجر عليه ان يتجنب الصراع مع السلطات السياسية بفسادها وجشعها، لكنه لم يتخلى عن ابناء مدينة، ولم يهرب كل امواله خارج اليمن، فكان بالنسبة للسلطات السياسية مثالالرسمال الوطنيالذي يبقي عجلة الاقتصاد تدور.

في الحقيقة كانهايلالتاجر يغطي عجز الحكومة في تعز، الحكومة التي كانت تهمل كل المدن من صعده ومارب الى اب وذمار مروروا بالعاصمة صنعاء. حيث شارعهايل”  الطافح بالمجاري

وتعز مدنية صغيرة لكن مكتضة، بل اكثر المدن اكتضاضا واهمالا من قبل الحكومة، اي مثل باقي المدن مكتضة بالبطالة.

الاهمال الحكومي كان دائما يمتد عبر الشوراع ومدنها، فشارعهايلوقتها كان عنوان الاهمال الحكومي، لسنوات بقيت الصحف المعارضة والمستقلة تتحدث عن مأساة شارع هايل، في تسينعيات اليمن، كانت الامور تسير بهدوء وببطء، وباحتقان لا يرى.

شارع الرياض

بعد عدة وعود واصلاحات لم تتم، خرجهايل من عزلته ، وهنا اطلق عليه رسميا اسم شارعالرياض، كانت الحكومة قد بدأت باطلاق اسماء المدن العربية والاسلامية على الشوراع، ربما هي صفقة بين الحكومات العربية، صقة مجاملات،  فنحن نرى شارع صنعاء وعدن في بعض الشوراع العربية، ونعلم ان مامن احد من قاطني هذه الشوراع يعرف ان هذا شارعصنعاءيوجد  في العاصمة الاردنية مثلا.

الرياضكان هو الاسم الرسمي لشارعهايلكتب رسميا على الحافلات العامة، وطبعا على العناوين الرسمية، ولافتات الشوراع وكتب بالقرب منههايلسابقا

هايل سابقا، بقي هو المسيطر، تندر الناس لفترة على الاسم، وحاولوا الاحتفاظ به، عانوا كثيرا وقتها منالتوهانوعدم دقة الوصف، في هذه الاثناء كانهايل سابقاقد بدا يتعافى، كشارع حيوي.

بدا الشارع ينبض بالحياة بعد اصلاح شبكة المجاري فيه، والاهتمام بالنظافة، قبل ذلك كانت سيارات الاجرة  ترفض المرور فيه.

وبدات الحياة تدب في اوصاله، فهو شارع كبير مكتظ، وكل العوامل التجارية متوفره فيه، ويمكن لبيوت المال الكبيرة الاستمشار هناك، وحدث.

شارعجمالمن هو جمال ؟

وبدا الشارع المتواضع باخذ مكانه على خارطة الشوراع اليمنية، منافسا شارعجمالاو الذي كان بمثابة مركز صنعاء التجاري. وشارع جمال من اقدم الشوراع الصنعانية على اطرافه  تقع اذاعة صنعاء العتيقة، المبنى التاريخي الذي يحكي قصة الثورة ، بل الذي اذاع بيان الثورة صبيحة 26 سبتمر 1962 وهو المبنى  الذي عاصر حكم ما قبل الثورة ايضا ، كمبنى للاذاعة التي تبث اخبار الامام

الاذاعة وبجوارها شارعجمالعاصرا التحول التاريخي لصنعاء، التي تضرب الان وتصقف من قبلالرياض

 كل الاحداث السياسية بعد ذلك، كانت هي اخبار اذاعة صنعاء،  “جمال”  المجاور لشارع الاذاعة ، ايضا  شارع سياسي بامتياز، خاصة  اسمه الكامل هوشارع جمال عبد الناصروفيه تقع السفارة المصرية.

شارعجمالهو الاسم الرسمي والشعبي للشارع، و هو اسم موجود في معظم المدن اليمنية، كمدينة تعز، حيث زار  الرئيسجمال عبد الناصرتعز بعد الثورة، وخطب خطبته الشهيرة حين قال :”على بريطانيا ان تحمل عصاها وترحل من اليمن”  في تلك الفترة حين كان يصارع الرياض على باب المندب، تلك الفترة التي نراها على اليوتوب، ونسمع خطبجمال

كانجمالمتواجد عسكريا في  اليمن، متحديا السعودية، لكنه بعد ان  تجرع  هزيمة حزيران،  واضطر ان ينسحب من اليمن ، عرفت اليد السعودية طريقها الى  شوارع البلد المجاور بعد ذلك ، ومنها شارعجمال”.

اليمن وقتها ، كان البلد  حديث العهد بالثورة والجمهورية، في هذه الاثناء بدات الشوراع اليمنية في صنعاء على الخصوص تاخذ طابعها المدني، وهي الخارجة  للتو من مرحلة الحكم الامامي الترابي الذي حكم بعقليةعزل اليمن

بدات الشوراع تنفتح على الاجواء المدنية، فكان شارعجمال”  هو سوق المدينة، بعد ان كان السوق الشعبي في صنعاء القديمة هو السوق الوحيد في صنعاء ، مازالت هذه الاسواق الشعبية موجودة، في حواري المدينة العتيقة، المدينة التاريخية التي تقصفها ايضا  “الرياضاليوم.

وبين كل الشوراع الصنعانية، شارعجمال”  له خصوصية ، بما يحفل به من رمز سياسي للمرحلة الجديدة مرحلة ما بعد الثورة والجمهوريةالستينيةالتي اخرجت اليمن الى مرحلة مختلفة تماما ، وتاثير جمهورية مصر العربية اومصر جمال عبد الناصرعليها ، فقد كان هذا الشارع  قبلة اليمنيين الجدد.

بدا سوق شارعجمالياخذ مكانه  الحداثي كشارع بديل عن شوارع ما قبل الثورة، في وقت كانت فيه  صنعاء تقلد القاهرة، في هذه السبيعنيات عرفت صنعاء البث التلفزيوني، وانتاج المسلسلات اليمنية، وخرجت النساء للعمل ، والتعليم، ومن الادوار التقليدية، التي كانت مفروضة عليهن قبل سنوات قليلة من قيام ثورة 1962

فبعد ان كانت صنعاء تنام بعد الغروب، وتقفل ابوابها، و تحجز النساء بين المطبخ وجلساتالتفرطةالنسائية الخاصة، بدان يخرجن الى سوق العمل ، وسوق التعليم، وسوق شارع جمال.

تغير شكل صنعاء، لكنالرياض”  فعليا كانت على الابواب، ولا احد يشعر بهذا المد الناعم، المد المصري  العسكري والسياسي ، بدا ينحصر تدريجيا، مصر نفسها كانت على موعد مع سطوةالرياضالناعمة، في الثمانينات بدات الامور تتغير ببطء ولم يلاحظها احد، لدرجة انها في التسعنيايات ظهرت كأنها ظاهرة تحول طبيعية، بينما في الحقيقة كان المد الوهابي قد  تمدد  في  بعض العواصم العربية وشوراعها وبيوتها واعلامها ومناهمها الدراسية.

ومن هذه العواصم ، صنعاء وشوراعها، الان يمكنك ان ترى الاسود كزي النساء  الرسمي ،  في كل الشورع، فيهايلوفيجمال، ولكن مع اصلاح شارع هايل، بدا الشارع المتواضع ياخذ حقه وينافس شارعجمال

كانت النساء ماتزال في الاسواق، سوق العمل وسوق التعليم، وسوق شارع جمال وشارع هايل، قبل ان تعرف صنعاءالمولاتالضخمة.

اول مول تجاري كان في شارع برجوازي، وتبعا له بدات الشوراع البرجواية بالتوسع، وكانت دليل على توسع هذه الطبقة، طبقة اغنياء صنعاء، برغم تفشي الفقر.

وبقيت النساء والرجال على حد سواء  في الاسواق الشعبية في حواري صنعاء القديمة والعتيقة، وفي شارعجمال”  شارع الثورة الستينية، وشارعهايلحيث الطبقة المتوسطة ، واصلاحات التسعنيات وفي مولات شارع حدة والحي السياسي، شارع البروجزايين.

بقيت النساء والرجال  في كل الشوراع ، بكل الطبقات وفي كل الاسواق، يحيون فكرة الحراك الاجتماعيالاقتصادي، ويقامون  فكرة اعادة النساء للبيوت، وفكرة اغلاق ابواب مدينة صنعاء، وفكرة عدم الاختلاط، وفكرة العزل الثقافي والاقتصادي، ويؤكدون فكرة ان الناس هم اصحاب الشوراع وسادتها، مهما اشتعلت فيها الازمات، وقصفتها الطائرات، واكتضت بالنازحين.

 ومهما تغير الزمن والالوان والاسماء،  والدول ، والحكومات، فان للناس طرقهم بالنجاة.

  • رأي اليوم