قصة أحمد وصاحبه!

أحمد وصاحبه عبدالرحمن، ترعرعا سوياً في حي واحد وبظروف معيشية واحدة. قضيا أجمل الأيام مع بعض كأشقاء؛ لا يفترقا معظم الوقت؛ ولم يكن هناك شيئ يميز حياتهما.

بعد إنقضاء سن المراهقة، دلفا إلى مرحلة الشباب والعمل، وتحملا المسؤولية؛ وماهي إلا سنوات قليلة حتى قال الزمن كلمته الفاصلة؛ فبدأت الحياة تبتسم لعبدالرحمن وتعبس في وجه أحمد.

ظل الود والحب والتكافل بينهما؛ فظل عبدالرحمن يدعم ويواسي صاحبه بالمال والحب والإحترام؛ وظل أحمد يُمني صديقه بإن الحياة ستبتسم له يوما ما، ويرد الجميل له جميلين.

الحظ لم يسلك طريق أحمد البته، ولم يعرف له عنوان، فظل سنوات طويلة يعيش في ظروف مادية أقل من المتوسطة وأكثر من المعُدمة؛ إلا أنه ظل على حاله في مداعبة مشاعر صديقى الغني، بإن الحظ سيخُطئ يوماً ويطرق بابه العتيق؛ وعبدالرحمن يقابل تلك الكلمات بابتسامة حانية ودافئة؛ وظل على عهده، برعاية صديقه، ورعاية أبناءه الذين كبِروا.

مرت سنوات طويلة، ولم يظهر الحظ بباب منزل العم أحمد؛ فقط زاره السكري، وصار الضعف جليسه الدائم؛ وظل صديقه عبدالرحمن على حالة في تقديم الدعم والمواساة والإحترام والحب.

وفي يوم من الأيام، وأثناء مرض العم أحمد، ظل يرمق صديق طفولته؛ وقال له؛ لابد للحظ أن يزورني يوما ما حتى أعُيد لك جزء من جمائلك عليا؛ فضحك العم عبدالرحمن، وفي داخله يقول؛ ها أنت تودع الحياة ياصديقي وأنت مازلتُ على وعودك لي برد جميل صنعي معك؛ ودمعت عيناه حبا وشفقة على رفيق دربه..

بعد أيام ذهب العم أحمد إلى ربه؛ وفي ذلك المساء، ذهب العم عبدالرحمن مع جميع أفراد أسرته الكبيرة إلى منزل العم أحمد المتواضع، لتقديم واجب العزاء، والقيام بأخر جميل لأسرة صديقه المتوفي...

فجاة؛ وفي تلك الأثناء، أهتزت الأرض وأشتعلت السماء، فلم يدرك الحضور ماذا جرى ويجري..!

دقائق قليلة مضت، والأخبار وردت؛ فقد تحول بيت العم عبدالرحمن إلى قطعة من جهنم؛ نتيجة إصابة وسط البيت بصاروخ كاتيوشا؛ أطُلق على أمريكا وإسرائيل، فأصاب حجرة المعيشة في بيت العم عبدالرحمن؛ وحول المنزل إلى كومة من رماد وتراب وحصى وذكريات..

يالله يالله ماذا يحدث؟

وبين الناس، وقف العم عبدالرحمن في ذهول يضحك ويبكي؛ ويسجد ويُكلم نفسه كالمجنون...

يا إلهي ما أعدلك؛ فهاهو صديق طفولتي يعيد لي كل جميل قدمته له خلال سنوات طويلة، في لحظة واحدة وبأضعاف مضاعفة..

نعم، بعد وفاة صديقه بعدة ساعات؛ كان عزاءه سببا في نجاة العم عبدالرحمن وجميع أفراد أهله؛ من موت محقق، بفعل تلك الصواريخ الجلالة والمنفلته؛ التي تستهدف المواطنين في مدينة التحيتا بالحديدة.

ما اصغر الدنيا وما أعدلها..!