تهريج وسائل الإعلام

الناس ينطلي عليهم دائما تهريج وسائل الإعلام، وبالتالي يرفعون سقف آمالهم بعد كل حدث.

وسائل الإعلام أصلا ما فيش معها مهرة إلا الترويج لكل حدث مهما تكن تفاهته، وهي مضطرة لذلك لتغطيه برنامجها اليومي، فمن دون هذه السياسة ستجد نفسها في غالب الأيام مفلسة من أي خبر يجذب انتباه المشاهد. ولذلك فلا لوم عليها، وإنما اللوم على الذين يصدقونها ويقعون ضحايا لتزييف الوعي الذي تقوم به بقصد وبدون قصد.

الجميع تقريبا منتظر أن يؤدي مقتل قاسم سليماني إلى حرب بين أميركا وإيران، مثلما كان، قبل عام، منتظرا أن يؤدي مقتل جمال خاشقجي إلى إسقاط النظام السعودي.

الحروب لا يشعلها مقتل شخص أو اثنين، مثلما أن الأنظمة لا يسقطها اغتيال صحفي، حتى وإن كانت طريقة مقتله بشعة كالطريقة التي قتل بها جمال خاشقجي، ولا تصدقوا أن الحرب العالمية الثانية، مدري الأولى، قامت لأنه تم اغتيال ضابط نمساوي مدري فين. هذا كلام فاضي يقوله بعض المؤرخين الرومانسيين بعد الأحداث الكبيرة لكي يضفوا عليها طابعا شاعريا، أما الحروب فهي تقوم لأسباب كثيرة ومعقدة، وغالبا ما يكون ذلك بعد أن تستنفد كل الوسائل السلمية في تسوية الخلافات.

اغتيال سليماني لن يكون أشد وطئا على الإيرانيين، حكومة وشعبا، من الحصار والتجويع الذي تقوده الولايات المتحدة ضدهم منذ ما يزيد عن عشر سنوات، ولو كانت إيران مستعدة لمعركة مع الأميركيين لرأت في الحصار سببا لخوض الحرب أكثر وجاهة من هالة العواطف التي أثارها مقتل سليماني.