أوكرانيا ساحة حرب بين الأوراسية والنازية

عام على الحرب الأوكرانية التي تحولت من عملية روسية خاصة إلى حرب شاملة، فالحرب مع أوكرانيا – لم تكن  كنظام، وليست ضد الشعب الأوكراني (من هنا كانت البداية لطرح مطلب نزع النازية السياسية في أوكرانيا)، واتضح منذ بداية الحرب أنها مع “الغرب الجماعي”،أي في الواقع، مع كتلة حلف شمال الأطلسي (الناتو).

الهجوم الروسي في البداية كان شاملاً وكاسحاً لأنه يدرك بأن حربه ستطول والمواجهات ستكون أشد في الأيام القادمة ففي 24 فبراير/ شباط 2022، شن الجيش الروسي هجوما شاملا على أوكرانيا من الشمال والشرق والجنوب، وتمكن في ظرف أسابيع من اجتياح عدة مدن وبلدات، وسيطر الجيش الروسي خلال هذه المرحلة على نحو 20 بالمئة من مساحة أوكرانيا، بما فيها الضواحي الشمالية والشرقية من العاصمة كييف، وعلى محطة تشرنوبيل النووية الخارجة عن الخدمة، ومحطة زباروجيا النووية لإنتاج الكهرباء، الأكبر من نوعها في أوروبا.

كما اجتاح معظم أجزاء مقاطعة خيرسون في الجنوب، بما فيها عاصمة المقاطعة التي تحمل الإسم نفسه، والمحاذية لشبه جزيرة القرم، التي ضمتها موسكو إليها في 2014.

الغرب في البداية كان مصدوماً، فلم يكن أمامه سوى اللجوء إلى العقوبات الإقتصادية، وكان يأمل بفعاليتها من خلال فرض سيلٍ من العقوبات ضد روسيا وعزلها عزلا شبه كامل عن جزء من الإقتصاد العالمي والسياسة والدبلوماسية التي تسيطر عليها الولايات المتحدة وحلفاؤها، و لكنه لم ينجح في ذلك، لعل تجارب الغرب في الشرق الاوسط خانتها هذه المرة فقد استمر الإقتصاد الروسي معتمداً على نفسه، ولم تكن هناك احتجاجات داخلية، أو ربيع روسي أسوةً بما سمي الربيع العربي، ولم يتذبذب موقف بوتين، بل صار أقوى.

العمليات العسكرية استمرت، ومهاجمة البنية التحتية العسكرية التقنية لأوكرانيا، وضم كيانات جديدة إلى الإتحاد الروسي، فعندما أدركت روسيا خطورة الموقف الغربي لم يكن أمامها سوى عمل استدارة كاملة باتجاه الصين وإيران والهند والدول الإسلامية والعرب وأمريكا اللاتينية والاستقواء بمشروع بريكس وذلك للوصول إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب يحد من تفرد الغرب ويعزز  الحرب على النازية والقضاء عليها، مع أن روسيا أظهرت أن ثمة حسابات خاطئة ضخمة في التخطيط الإستراتيجي للعملية برّمتها، فالمزاج السلمي للجيش والنخبة والمجتمع، غير المستعدين لمواجهة جدية، لا مع النظام الأوكراني ولا مع الغرب الجماعي، كان له تأثير على تطور الوضع، فقد توقّف الهجوم الروسي وواجه مقاومة شرسة من خصم مدعوم من الغرب بشكل غير مسبوق وخاصة من الآلة العسكرية الحديثة لحلف الناتو، وبعد انقضاء عام، أدركت موسكو أخيراً أن انصارها في اوكرانيا لم يعد لهم تأثير.. بل لم يعد لهم وجود، وأن هذه لم تكن عملية عسكرية خاصة، لكنها حرب شاملة.

فقد كانت أوكرانيا مستعدة لمواجهة روسيا أكثر من أي أحد آخر، وبدأت تحسب حساب المواجهة من عام 2014 وبتنسيق مع الغرب الذي جاء بزيلينسكي عام 2019 لهذه المهمة، ولم يكن يعلم أصدقاء روسيا وحلفاؤها الذين أصيبوا بخيبة أمل جزئية بسبب العام الأول للعملية العسكرية الخاصة عندما اعتقد الكثيرون أن القدرات العسكرية الروسية كانت وفيرة وبإمكانها حسم المعركة في فترة زمنية وجيزة، لكن الدعم الغربي غيّر الموازين وأصبحت روسيا تواجه الغرب مجتمعاً.

اليوم وبعد عام، الخارجية الامريكية تقول “رسالتنا للصين واضحة بأن دعم روسيا ستكون له تداعيات، لأن الصين ليست محايدة في الحرب الروسية الأوكرانية بل تدعم موسكو سياسياً واقتصادياً ودعائياً” يأتي هذا التصريح بعد زيارة الرئيس الأمريكي لكييف وشعور الغرب بمرارة الهزيمة، بينما  الصين عبر وزارة خارجيتها أصدرت بياناً يوم الجمعة 24/2/2023 أكدت فيه على ضرورة استئناف الحوار المباشر بين روسيا وأوكرانيا في أسرع وقت ممكن. وأعلنت عن وثيقة من 12 بنداً بشأن التسوية السياسة في أوكرانيا، ليأتي رد امين عام الناتو  ينس استولتنبرغ “فيما يخص مقترحات الصين: ليس هناك الكثير من الثقة في الصين، لأنها لم تدن الغزو الروسي غير الشرعي لأوكرانيا، ووقعت اتفاقية شراكة لا محدودة مع روسيا قبل أيام قليلة من الغزو” وأضاف ستولتنبرغ أن الناتو يرى مؤشرات على أن الصين تدرس تقديم مساعدة عسكرية لروسيا، وقال: “نتابع الصين عن كثب ورصدنا دلائل على أنها تدرس توريد أسلحة لروسيا. سيكون هذا خطأ كبيرا”.

والخلاصة هي  أن العام الثاني من الحرب سيشهد  توسيع الحرب ودخول أطراف جديدة قد تذهب إلى حرب عالمية، تصريحات أمريكا الحادة تجاه الصين واتهامها بدعم روسيا إلى جانب التوتر بين الصين وأمريكا فيما يخص تايوان تعطي مؤشرات خطيرة، والأهم من ذلك، استعداد الطرفين لمعركة الربيع، خاصة من الجانب الأوكراني الذي تلقى وعودا بتزويده بدبابات هجومية من نوع أبرامز الأمريكية، وليوبارد الألمانية وتشالنجر البريطانية، بالإضافة إلى صواريخ باتريوت الأمريكية المضادة للطائرات، واصبحت معنويات الاوكرانيين عالية بعد تجاوزهم العام الاول من الحرب.

اما بالنسبة لروسيا فقد غيّرت  نموذجها من الواقعية إلى نظرية عالم متعدد الأقطاب، ورفضت الليبرالية بشكل مباشر بجميع أشكالها، وتحدّتً الحضارة الغربية الحديثة – وحرمتها صراحة من حقها في أن تكون عالمية، ولم يعد بوتين يؤمن بالغرب، وهو يسمّي الحضارة الغربية الحديثة صراحةً “شيطانية”، اضافة الى دخول الكيان الصهيوني في الحرب بشكل مباشر بعد تقديم الدعم لأوكرانيا، وبكل هذا خرجت الأمور عن السيطرة وأصبح العالم أمام تغيير واضح يتجه نحو  نظام عالمي جديد لا مجال فيه لتفرد بالقرار وفرض الهيمنة، واصبح التغيير حتميا سلماً او حرباً.

* دبلوماسي وسياسي يمني