معضلة النظام السياسي في اليمن !

مع دخول العام التاسع للحرب ما تزال المشكلة القائمة في اليمن تكمن في النظام السياسي الذي يشكل المعضلة الكبرى إن لم يكن أساس المشكلة وتفرعاتها منذ قيام ثورة سبتمبر 1962 وأكتوبر 1963 وما بعد تحقيق الوحدة اليمنية 1990 وحالة عدم الإستقرار التي تمر بها اليمن منذ تلك الفترة وتراكماتها التي شكلت حالة انفجار للوضع عل كل المستويات وعاملاً محفزاً للانقلابات والحروب الأهلية في عدة مراحل من تاريخ الثورة والتي توجت بحالة الفوضى والعبث بما سمي بالربيع العربي حيث كانت اليمن جزءاً من هذا المتغير الأليم رغم محاولة الخروج من هذا المآزق بأقل الأضرار من خلال الحوار الوطني بهدف التوصل إلى صيغة توافقية على شكل النظام السياسي الذي يؤسس لدولة مدنية يتعايش تحت ظلها الجميع ويسودها الإستقرار واستثمار مقدرات الوطن الإقتصادية والبشرية وتوظيفها بما يخدم التنمية وتطوير المجتمع.

إلا أن حالة العودة إلى الماضي البغيض كانت حاضرة وهيأت لها الأخطاء والممارسات الحزبية الضيقة المتمثلة في أخونة الدولة والعواطف الدينية والقبلية حالة احتضان على أمل الانتقال إلى واقع أفضل، الأمر الذي ذهب بالوضع إلى حالة التشظي والاقتتال والتدخلات الإقليمية والدولية ولسان حال الواقع يقول إن معضلة ميلانيزيا تتطور في اليمن وبحالة أشد تعقيداً يصعب على الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تجاوزها، لأن اليمن بلد لا يزال أسير الماضي ولم يأخذ القدر الكافي من أسس وأصول التطور السياسي.

 ومنذ قيام الثورة اليمنية غلبت عليه حالة الإنحطاط السياسي في كل مراحل الحكم باليمن و التي لا يسمح المجال للخوض في تفاصيلها المؤلمة على مستوى رأس الحكم و الأحزاب السياسية وحتى المؤسسات المدنية والعسكرية التي شكلت نموذجاً من أسوأ النماذج على مستوى العالم والتي طغت عليها السيطرة الفردية على مستوى الدولة والقبيلة ، والتي شكلت عائقاً أمام سيطرة مؤسسات الدولة وتسيد النظام والقانون لتظل الدولة والمجتمع أسيري الماضي المؤلم المخيم علينا إلى اليوم مع ارتباط هذا الوضع بجملة المشكلات التي تواجهها الدولة التي هي بالأساس هشة وضعيفة وفاشلة على أرض الواقع إلى اليوم لأنها افتقرت إلى أسس مقومات بناء الدولة الذي يتطلب من خلالها بناء المجتمع وتحقيق الإستقرار السياسي .

 ذلك لأننا ضمن البلدان ذات الحكومات غير المستقرة والمتداعية التي مرت على اليمن الذي يعاني  التخلف القبلي والديني والجهل المتراكم بين أغلبية المجتمع ، وحتى حالة الديمقراطية التي كانت فرصة للانتقال إلى بناء الدولة لم يتم الإستفادة منها لأن المجتمع لم يكن مهيأ لهذه المرحلة، فلم ينتخب حسب البرامج السياسية بل حسب الإنتماء القبلي والنفوذ السلطوي والتأثير الديني ، مما شكل معضلة جديدة استغلت لتصفية الخصوم وإزاحتهم من الشراكة في السلطة واستكمال الإنقلاب العسكري بالديمقراطية الموجهة التي رسخت حالة الجهل والتخلف والإنقسام في مجتمع لم يتخلص بعد من عقدة الخرافة والعواطف الدينية رغم أننا اليوم في القرن الواحد والعشرين عصر القرية الواحدة ، إلا أن واقع الخطاب الديني والتعصب القبلي والمناطقي لايزال هو المسيطر والمحرك للجماهير وكان له الأثر الأكبر في استمرار الحرب والصراعات لثمان سنوات.

 وها هي السنة التاسعة قد دخلت وما يزال الصراع مستمراً دون التوصل إلى حلول جذرية، بل ذهب المجتمع اليمني إلى حالة انقسام على مستوى المناطق والمذاهب والأحزاب مع غياب الحامل السياسي الجامع والوسطي ، والذي لو وجد لكانت الأغلبية الصامتة ملتفة حوله بعد أن أنهكتها الحروب والوضع الإقتصادي المميت.

نحن بحاجة ملحة إلى السلطة المركزية التي يمكن أن تحتكر القوة الشرعية على كامل الأراضي اليمنية لفرض الأمن وتطبيق القانون ونزع الأسلحة من جميع المليشيات وحصرها بالدولة ومن ثم تهيئة المجتمع لسلطة دستورية تطبق ما تم التوافق عليه في الحوار الوطني بعد حسم الجدال في شكل النظام ضمن دولة اتحادية من إقليمين أو اكثر وقطع دابر الخلاف.

 ومثلما توافقت السعودية وإيران على حل خلافاتهما المركزية ، صار بإمكانهما حل خلافتهما الثانوية في اليمن، ومثلما كانت اليمن سبب الخلاف وأيضاً سبب التقارب فلتكن خلاصة الحل فيها ، فالواقعية تفرض نفسها وتتحدث عن ذاتها ، فلا فصل بين الإتفاق السعودي الإيراني عن اليمن ، ولا حل جزئي بدون حل جذري ، فالإقليم والمجتمع الدولي معني بحالة الإستقرار السياسي في اليمن وبدون ذلك يبقى الأمن والسلم الدوليين مهددين في المنطقة.

 قد لا يرضي هذا الطرح الكثير ولكن علينا أن نسترجع التاريخ ونعود للحرب التي نشبت بين الموالين للملكية وبين الموالين للجمهوريّة واستمرت  ثمان سنوات (1962 – 1970). وفي الخرطوم وبوساطة سودانية اتفق الرئيس جمال عبد الناصر والملك فيصل على خطة لانهاء الحرب الأهلية في اليمن و التي أدت إلى تدهور العلاقات بين بلديهما طوال سنوات الحرب الماضية، واتفقا أيضاً على تشكيل لجنة ثلاثية من العراق والمغرب والسودان للإشراف على تنفيذ الاتفاق.

واليوم يعيد التاريخ نفسه وإن اختلف أحد الأطراف وتم تبادل الأدوار، فالمشكلة هي نفسها والضحية هو الشعب اليمني الذي طالت معاناته، مما يتطلب اتخاذ قرار سياسي حكيم ليكتمل التوافق ويعم السلام  اليمن والمنطقة.

* ديلوماسي وسياسي يمني