التنوع والتوازن وإفرازات الحرب في اليمن

 يشبه التطور البشري في مجالات عدة التطور السياسي القائم على التنوع في طبيعة المؤسسات السياسية.

ونتيجة التنافس والتفاعل مع البيئة المادية تبقى بعض المؤسسات على قيد الحياة بينما تثبت أخرى عدم أهليتها ، كذلك يطرأ الإنحطاط السياسي حين تثبت المؤسسات عدم قدرتها على التكيف.

لكن يبقى التنوع في الإرتقاء البشري محكوماً بمعتقدات تمثل عائقاً أمام التنوع المحكوم بالتوازن، لأن الفوقية وأنصارها ونقاوة العرق وطهر النطفة وقداسة النسب إشكالية متوارثة من خلال اعتقاد السامية بأنهم شعب الله المختار، حتى أصبحت عدوى متوارثة دينياً وعرقياً وثقافة مشوهة تقود إلى صراعات خطيرة و نزعة استعلائية تنتهجها قوميات أو جماعات أو فئات إما باعتقاد ديني أو نزعة فوقية بحسب النسب أو العرق أو اللون أو الطبقات.

ورغم قيام العديد من الثورات العالمية التي تدعو الى المساواة هناك العديد من الفلاسفة والمصلحين الإجتماعيين الذين  عملوا بكل طاقاتهم للتخلص من هذه المشكلة الخطيرة عالمياً منهم مؤسس المدرسة النفعية جيرمي بنتام عندما أطلق القاعدة التي تقول “أن يُعدّ كل واحد واحداً وليس أكثر من واحد”، و كانت هذه القاعدة عند بنتام موجهة نحو طبقات اللوردات الأرستقراطية التي كانت تعتقد أن الواحد منهم يساوي أعدادا غفيرة من الطبقات الأخرى.

وقد طرأت على البشرية تحولات كبيرة في مجتمعات شديدة الاختلاف بأعرافها الثقافية، كما ظهرت طبقات الأنساب القبلية في كل أرجاء المعمورة في لحظة التطور الإنساني المنحدر من سلف مشترك، وكلها استندت على اعتقاد ديني بسلطة الأسلاف الأموات وحق الأحفاد في توارث الأمجاد وقداسة النسب.

ورغم الإختلافات الدقيقة في تنظيم علاقة القرابة التي يختص بها علم الإناسة ، تبقى البنية الأساس للمجتمعات البشرية متشابهة إلى درجة ملحوظة على مستوى العالم.

 أما نحن فتعايشنا على مستوى بقعة صغيرة من هذا العالم الكبير اسمه اليمن والذي يجب أن يكون على مبدأ الإنسانية أولاً، واليمن ثانياً ، والعروبة ثالثاً ، أما الدين فهو علاقة بين الفرد وربه، وعلينا أن نؤمن بانتهاء خلافات الأمم السابقة معها، وأن نصل لهذا المبدأ قبل الأديان والمذاهب والأعراق ، لأن تعليم الكثير من الحقد القاتل ضد بعضنا وخاصة تلقين الأطفال والمراهقين والشباب وتغذيتهم بثقافة تشبه ثقافة السامية وتقديس الأشخاص أو الفئات على أساس العرق والنسب والدين، وهو الأمر الذي أوجد لنا مشكلة اجتماعية أصبحت مثارة بشكل يهدد التعايش والنسيج الإجتماعي في اليمن.

 وهي أيضا مشكلة عمقتها الحرب وتحولت إلى نزعة استعلائية حيث كل طرف يرى نفسه أفضل من الآخر ، والإشكالية الكبرى أن  تُسن قوانين تمييزية  لثقافة لم نجن منها سوى القتل والدمار وخراب الديار.

علينا أن نعيد الإندماج المجتمعي لأنه ضرورة ملحة فالمرء لا يستطيع أبداً أن يغدو وحيداً ضمن مجموعة طبيعية كعائلة أو قبيلة أو شعب أو أمة تعيش في وطن وتتشارك فيه بالخير والشر الفرح والحزن فأعيادنا وأناشيدنا الوطنية وانتصاراتنا وأبطالنا وحضاراتنا الجبارة وطموحاتنا وتطلعاتنا مشتركة إن لم تكن واحدة، هناك تفاضل بين الأفراد والجماعات وتنافس لا ننكره ولكن يبقى وفق العلم والسباق نحو التقدم وليس العرق والنسب، وأيضاً قد توجد الكراهية متأصلة داخل المجتمعات بسبب نزعة الذات المتعالية ، ولكن علينا التغلب عليها وعدم السماح لها بالسيطرة والتحكم في سلوكنا لأن سيطرتها تقودنا إلى نفس الإشكالية التي يعاني منها العالم من خلال ما تؤمن به الصهيونية العالمية بسبب نزعة التعالي التي يرى فيها اليهود أن كل الأمم خلقت لخدمتهم.

ومن هنا ظهرت الصهيونية المتطرفة التي شكلت حالة اللاتعايش مع الأمم الأخرى إلا بما يخدم مصالحها.

يجب علينا أن نزيل الفجوة التي أصبحت تتوسع نتيجة الحرب  والتباعد فما تزال جسور الترابط بين كل الأطراف قائمة لم تنقطع رغم ما شابها من تباعد وتنافر، فالروح الغريبة والخرافات المستوردة والعادات الدخيلة والأعراف المستوردة كلها لا تليق بنا ولن تؤثر فينا إذا أحيينا في وجداننا إنسانيتنا وانتماءنا لوطننا وعروبتنا وثقافتنا وتاريخنا الأصيل.

 فممارسة الفاعلية الإنسانية لا تتم دفعة واحدة لأن البشر يتعلمون من أخطائهم ويتخذون إجراءات لتصحيحها في سيرورة متكررة، الازمة والقرار في أيدينا نحن، لأننا شعب ذو حضارة عريقة وجد قبل أن توجد الأديان.

 نحن ببساطة من أصل وأحد تميز بعروبيته التي يتفاخر بالإنتماء لها معظم أبناء الوطن العربي، وفي الواقع لم نكن أتباع حضارات أو ثقافات بل صناع حضارات ونتاج ثقافات تسمو فوق كل المعتقدات.

*دبلوماسي وسياسي يمني