مهمة شيطانية جيوبوليتيكية

يمثل الشرق الجيوبوليتيكي النقيض المباشر للغرب الجيوبوليتيكي ومحور الشمال والجنوب يرجع في أهمية على محور الشرق والغرب في لعبة الأمم العظمى لتحريك أحجار قطع الشطرنج على مساحات دول العالم الثالث الذي يبدو في المخططات الغربية رمزاً للتخلف ويحمل مفهوماً تحقيرياً في منطق ونظرة الغرب الغني الذي  لا يرى في هذه الدول سوى مصادر طبيعية وبشرية يجب إخضاعها واستغلالها واستخدامها في مصالحه وتصدير أزماته الاقتصادية والسياسية نحوها.

وفي واقع الحال فإن العالم الثالث على المستوى المادي بفعل توجهه الروحي المميز الذي يخصص دوماً للمكونات المادية للوجود حيزاً ثانوياً قليل الأهمية، وفي الملامح العامة حافظ العالم الثالث الجيوبوليتيكي في عصرنا هذا على علاقة تقليدية صرفة بموضوعات العالم الخارجي ، علاقة هادئة، محايدة ،في تناقض مباشر مع الهوس المادي للغرب الغني، على الرغم من جنونه المادي .

العالم الثالث رغم فقره، وهو يعيش التقليد فإنه أكثر بذخاً لأن مشاركته الفعالة في التقليد تنعكس على  آفاق حياة سكانه الخاصة والعامة، على نقيضهم الغرب المشبع بالعصبية، والرعب المادي والفراغ الداخلي، والخلو الكامل من القيم الإنسانية نحو العالم الثالث، من خلال ما عكسته الحرب الأوكرانية التي مثلت حالة فاضحة لتلك القيم والتمييز في الحالات الإنسانية نحو العالم الثالث التي تتزايد معاناته من خلال دفعه ثمن أطماع الغرب التي شكلت حالة رعب وإرهاب بعد الحرب العالمية الثانية، وانتصاره في الحرب الباردة ووهم الحرب على الإرهاب في أفغانستان والعراق ، وجمع الإرهابيين العالميين لتدمير سورية ، وبعد افتعال حرب اليمن وليبيا هاهي ناقلةً أحجارها الشطرنجية على رقعة أرض السودان، بنقلة ارتدادية بعد محاصرتها في الشمال بواقع كش ملك، لتذهب إلى الجنوب بمهمة شيطانية نحو إنقاذ الإقتصاد في البحث عن الذهب اللامع بعد أن خسرت الذهب الأسود ( النفط ) لتنتقل اللعبة في مهمة شيطانية نحو السودان الذي يشكل بموقعه الجغرافي السياسي (الجيوبوليتيكي) وضعاً مميزاً وفريداً إقليمياً ودولياً؛ كونه امتداداً لمنطقة القرن الإفريقي، التي تعتبر بكل المقاييس من مناطق العالم ذات الأهمية الاستراتيجية التي تتبارى الدول الكبرى في الحصول على مزاياها ومنافعها المختلفة.

لقد مثل إغلاق العديد من الملفات في الشرق الأوسط حالة اللاتوازن في ظل التسابق نحو عالم متعدد الأقطاب في ظل المواجهة الكبرى بين الأوراسية والأطلسية على الأرض الأوكرانية التي تتفوق فيها روسيا في دحر النازية الاوكرانية احدى أوراق الغرب التي أراد من خلالها إسقاط الجيوبوليتيك الروسي واستمرار التفرد بسياسة القطب الواحد، وفشلها أيضاً في اختراق الجيوبوليتيك الصيني عبر جزيرة تايوان الصينية، واستطاعت الصين ان تنقل اللعبة من مساحاتها الجيوبوليتيكية إلى مكان تمركز الخصم في نقلة ذكية وموجعة له تكللت بمصالحة إيرانية سعودية انعكست على حالة المنطقة والجيوبوليتيك العربي بشكل خاص، بعد فشل الغرب فيه بالنقلة على المساحة المصرية أيضاً، لكن المهمة التي أوكلت للشيطان في السودان يراد من خلالها تعويض كل خسائر الغرب من حيث ضرب خاصرة مصر وعدم استقرار الجيوبوليتيك العربي الذي تسعى السعودية الى تجميعه بعد تفرق طال وخسائر مرعبة ، إضافة إلى تهديد دول جوار السودان وعلى رأسهم إفريقيا وضرب مصالح الصين في القارة السمراء.

كما أن إعلان روسيا إمكانية أن تصبح مصر مركزًا لتوزيع ‏الحبوب في الشرق الأوسط وإفريقيا، وتزامن إعلان مصر الانضمام ‏لصندوق التنمية الجديد ” بريكس” تمهيدًا لانضمامها إلى تحالف بريكس رسميًا ‏يشكل تهديد كبيراً للنظام العالمي القائم حاليًا، الأمر الذي دفع بالغرب إلى خيار إشعال الحرب في السودان الذي كان يشكل قنبلة موقوتة أشعلت فتيلها في طريق المتغير الدولي.

إن معطيات الصراع العسكري بين أطراف النزاع في السودان تشير إلى عدم تقدم أي طرف على الآخر في المعارك وخاصة في العاصمة الخرطوم مما يعني أن خيوط اللعبة يجري التحكم بها من بعيد ولن تستقر السودان إلا بعد أن يحقق الممسك بخيوطها هناك كل أهدافه.

فأين دور العرب وخاصة مصر، المستهدف الأكبر؟

وأين دور الصين وروسيا ودول البريكس وزعماء إفريقيا؟

يجب إنهاء مهمة الشيطان الرسمية وقطع حبال التحكم الذي يحاول الكيان الصهيوني ( الشيطان المكلف بالمهمة الرسمية في تفكيك جيوبوليتيك السودان  والقارة السمراء) أن يثبت الإمساك بخيوطها وضرب خاصرة النظام العالمي الجديد وردع الدول الصاعدة  ووأد البريكس وطريق الحرير، فالمواجهة بين أمريكا والغرب من جهة وبين الصين ومعها روسيا ‏ودول البريكس من جهة أخرى ، والهدف الأهم من المخطط أيضاً هو الإستيلاء ‏على ثروات الذهب واليورانيوم باعتبارهما من أهم وأفضل المعادن على مستوى العالم.

*دبلوماسي وسياسي يمني