وما أفلحت دول تولى أمرها الرجال !

8مارس اليوم الذي يحتفل فيه العالم بيوم المرأة العالمي, ستحتفل النساء بعيدهن , وفي اليمن كل أيام النساء أحزان وأتراح, بماذا ستحتفل المرأة اليمنية ؟ بأولئك الذين يزفون إلى المقابر يوميا  بالعشرات من أقاربها ؟ بأطفال بعمر الزهور تركوا صفوف الدراسة ومضوا إلى جبهات الموت , مستبدلين الحقائب المدرسية بالبنادق ؛ ليعودوا إلى أسرهم مجرد أشلاء ممزقة ! تحتفل بطفلة كانت ذاهبة إلى المدرسة وبغمضة عين حولتها طائرة التحالف إلى جسد  بلا روح ينزف على قارعة الطريق بجانب حقيبتها المدرسية , أم بأطفال كانوا يلعبون أمام منازلهم وبلحظة جعلت منهم قذائف الموت الحوثية جثث هامدة ؟

 بماذا ستحتفل ؟ بمصانع ومنازل وصالات  غدت ركام واختلطت فيها الدماء والأشلاء بالتراب والأحجار, بتلك الأسر التي دفنتها قذائف الحوثي وصالح , و طائرات التحالف تحت أنقاض منازلها ؟ بالأعراس التي تحولت إلى مآتم ؟! سنحتفل  في أسواق  ومنشآت مدنية ضربت كأهداف للتحالف وعاد مواطنون إلى منازلهم جثث هامدة , أم سنحتفل بأمهات يموت مواليدهن أو يمتن هن بسبب حصار مليشيا الحوثي وصالح لتعز, وطول الطريق ووعورته ؛ ليصعب الوصول إلى المستشفيات التي أصلاً  تعاني من نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية  وتوقف الأجهزة بسبب انقطاع الكهرباء ...الخ  

بما علينا الاحتفال؟ بالشهيدات , والمشردات , بالنازحات واللاجئات ؟ أم بتلك الأعداد الكبيرة من المتسولين؛ أمام المطاعم والمساجد , والجولات وتجمعات الناس , ظاهرة مفزعة لم يشهد لها البلد مثيل. انه زمن الانقلاب والثورة المضادة .

عام آخر , مارس آخر وتلك الأم أنهكها التعب وهي تتنقل بين السجون والمعتقلات باحثة عن إبن غيبته في معتقلاتها مليشيا الحوثي وصالح , أو جماعة محسوبة على المقاومة؛ في صنعاء  تقرر الاحتجاج للمطالبة بإطلاق ولدها أو السماح بزيارته فيتم الاعتداء عليها ! وفي حالات تتلقى اتصال هاتفي يطلب منها الحضور إلى المستشفى لأخذ جثة ولدها الذي مات نتيجة التعذيب في معتقل للحوثيين , أو قد تجده مرمي في احد الشوارع وعليه آثار التعذيب.

هي المرأة تدفع فاتورة الحرب أضعاف مضاعفة, ثمن باهظ من حياتها وأمنها واستقرارها , بل من دم أب وزوج وابن وأخ  .. الخ

 أمام باب المسجد تنتظر خروج المصلين , بجسم هزيل, وعباية ممزقة , ونظرات حزينة , كسيرة وخجلى, تقف هناك تتسول ,حاملة على كتفها طفل وبجانبها طفل وطفلة حافيان وشبه عاريين ,على جسديهما الصغيرين ملابس رثة وممزقة ؛ وعلى بعد أمتار من المسجد  أسر في منازلها  تتضور جوعاً , لا أحد يعلم عنها شيء , وفي طابور المدرسة المجاورة , تفقد طالبة وعيها  بسبب الجوع ؛ فهي لم تتناول الطعام منذ أيام , نساء نازحات ومشردات  يفترشن مع أطفالهن الأرض ويلتحفن السماء , في منازلهن وفي المدرسة وفي الشارع يسمعن خطبة إمام ذلك المسجد عن المرأة الفاجرة المتبرجة  السافرة , المرأة الخطيئة , التي تزاحم الرجال في شتى الميادين, يصغين السمع علَّ الإمام يذكر معاناة المرأة الجائعة النازحة ،والمشردة التي لا مأوى ولامعيل لها.

تنتهي الخطبة ولم يشر الإمام  حتى مجرد إشارة إلى تلك المأساة , يخرج عائد إلى بيته الذي لاينقصه شيء , أثناء خروجه  لايرى تلك الواقفة بباب المسجد , وفي طريق عودته بؤس وجوع منتشر على طول الطرق ,أيضاً لم يره ! لكنه فجأة وهو بسيارته الفارهة , يا لهول ما رأى , فتاة متبرجة تخرج خصلة من شعرها ، يستغفر الله ويحزنه منظر هذه الفتاة , وتصبح الفتاة الفاجرة وخصلة شعرها موضوع  خطبة الجمعة القادمة, فلولا تلك الفاسقة وخصلة شعرها ماكان اليمن يعاني من الحروب والأمراض والمجاعاتانه غضب الله-

كانت الصور القادمة من مديرية التحيتا في محافظة الحديدة مروعة وصادمة , صور تلخص الوضع الكارثي الذي تعيشه اليمن ,سوء تغذية حاد ,مجاعة حقيقية, صور لبقايا بشر , هذا ما ظهر أو ما أراد له تحالف مليشيا الحوثي وصالح أن يظهر ! وماهي إلا صورة من صور الجوع في مختلف مدن وقرى اليمن, لم تكن بالطبع حرب اليمن المنسية التي أدار لها العالم ظهره إلا أحد أسباب تلك المجاعة وسوء التغذية, لطالما عمل نظام علي عبد الله صالح على قهر الشعب اليمني وتجويعه, وكان للحديدة وتهامة خاصة النصيب الأكبر من هذه السياسة التجويعية.

الصور اهتز لها المجتمع اليمني , لكنها لم تحرك مشاعر بعض رجال الدين , لم توقظ ضمائرهم !

نعيش وضع كارثي, والشيخ مشغول بالمرأة المختلطة بالرجال , لايهمه الدم اليمني المسفوك في كل البلاد, لايهم إن نزحت وتشردت الملايين وأصبحت دون مأوى ,ملايين يعانون من سوء التغذية وأوبئة تفتك بهم, لايهم إن امتلأت الشوارع  بالمشردين والمتسولين من النساء والأطفال ؛ المهم أخلاق المجتمع والإسلام اللذان تتهددهما خصلة امرأة اختلطت بالرجال في صفوف الدراسة وشربت معهم الشاي في مقهى .

البعض يرى أن الإسلاميين المتطرفين مصابون (  بالبارانويا الدينية ) أرى الأمر من منظور مختلف , فهم ليسوا مرضى بل يستخدمون قصص كالتآمر الغربي على أمة الإسلام , ودعوات تفسخ وانحلال المجتمعات وتغريبها, وإفساد أخلاق النساء المسلمات..الخ  أداة ترهيب المجتمع وتخويفه, لتطويعه وإخضاعه لنفوذهم وخوفاً على سلطتهم ,لا يريدون مجتمع أو فرد حر, وبدأوا , بصياغة تعريفات لمفاهيم كالكوتا , والجندر, والدولة المدنية بسطحية متعمدة ,وبما يخدم أهدافهم, ومنها أنها لن تجد قبولاً لدى المجتمع وهو بنفسه من سيرفضها.

في حرب استعادة الدولة ,مسؤوليتنا الوطنية والأخلاقية  تتطلب منا حشد طاقاتنا من أجل هذا الهدف , لكن هؤلاء ومنهم الشيخ عبد الله العديني لا يشغلهم هذا الأمر ,بقدر انشغالهم بقضايا الاختلاط حتى وإن كانت المرأة في مهمةِ إغاثة إنسانية !

محافظة تعز محاصرة , أبناؤها يقتلون يومياً على يد مليشيا الحوثي وصالح, والشيخ قضيته الاختلاط في المعاهد , والمطاعم والمقاهي , أو محاضرة أستاذ جامعي زعم العديني أنه طالب فيها الفتيات بنزع النقاب ! يكاد لا يمر يوم ولا خطبة جمعة إلا وكان محورها الناشطات السافرات الفاجرات , المرتبطات بالسفارات, ونتيجة لذلك التحريض والترهيب الذي يمارسه العديني في المدينة تم تهديد صاحب مقهى بحجة أن شباب وشابات جلسوا وشربوا فيه الشاي , وأغلق قسم للعائلات في أحد المطاعم , ألغي عقد أستاذ جامعي متعاقد في جامعة تعز .

 معروف إن غالبية رجال الدين خصوصاً المؤثرين والمشهورين منهم, دائما ما يغيبون عمداً عن هموم الناس وقضاياهم , لكنهم يحضرون عندما يتعلق الأمر مثلا بفتوى إباحة دم أحدهم , ستجد العشرات، يصل العدد إلى المئات يوقعون على ذلك.

لم أشأ الخوض في هذا الموضوع وفي ظل هذه الظروف ,لكن عدم إحساسهم بأي مسؤولية أخلاقية ووطنية تجاه ما تمر به البلاد , وعدم احترامهم لتضحيات الشعب جعلني اكتب هذا. وواضح أنهم يعملون بجهدٍ كبير من أجل أفغنة اليمن.

 وبمناسبة يوم المرأة العالمي وحملات رجال الدين ضد النساء : هل فعلا كرم الإسلام المرأة ؟

الحقيقة أن أياً من الأديان بما فيها الإسلام لم تعتبر المرأة إنسان كامل, ربما الإسلام أعاد صياغة بعض التعاليم اليهودية وارتفع بها درجة أو درجتين , لكنه ظل يعتبرها نصف إنسان, وبالتالي  نصف ميراث , نصف دية, نصف شهادة , وقاصر يقرر الذكر ولو كان طفلاً في العاشرة من عمره نيابة عنها و ما يجب عليها فعله أو تركه !

والإسلام لم يحرم صراحةً الرق والعبودية , فنرى البعض متزوج  أربع نساء ولديهم عشرات

 من " ما ملكت أيمانهم" عبودية أقرها الإسلام , المرأة إذا نام زوجها وهو غاضب منها تلعنها الملائكة حتى تصبح, بينما يحق للرجل ضربها , ولو امتهن كرامتها , ولا يغضب الله عليه أو تلعنه الملائكة ! المرأة لاتخرج إلا بإذن زوجها حتى وان كان أحد والديها على فراش الموت .

يتحدث كثيرون عن ظلم المرأة وحرمانها من حقوقها , ولكن غالبيتهم بسبب التكفير والترهيب الممارس ضد كل من دعا إلى فتح باب الاجتهاد وإعادة تفسير القران والسنة , لم يتجرأوا  على كسر هذا التابو الديني , وحجة بعض الشيوخ - إجماع العلماء -  ولا يجوز نقاش ما اجمعوا عليه, في ظل هذا التصلب والتشدد كيف نتحدث عن دين صالح لكل زمان ومكان والعالم يتغير و يتطور ونحن نتقوقع على تفسيرات تراث ما قبل ألف وخمسمائة عام, غير قابل للتجديد.

ما لمشكلة  في تجديد الخطاب الإسلامي بما يتناسب وروح العصر ؟ صحيح هناك أصوات  ارتفعت مطالبة بفتح باب الاجتهاد ومراجعة التراث والتفسيرات وتنقيتها مما شابها , وهناك فعلاً من اجتهد وحاول تفسير النص القرآني والسنة  بما يتناسب وعصرنا والتطور الذي نعيشه.

التقوقع  في تلك الحقبة من تاريخ الإسلام, غير مجدٍ , تكلس الفكر الديني يظهر الدين جامد غير صالح لكل زمان ومكان , وبالتالي يخلق جيل متمرد على كل القيود الدينية والمجتمعية , فنحن في عصر يتطور سريعا , لايمكن للمسلمين إدارة ظهورهم لهذا التطور ويبقون في منأى عنه.

  لذلك الزمن  ظروفه وبالتالي أتت التفسيرات والاجتهادات بما يتناسب وتلك الظروف, وكثير من النصوص نزلت في حوادث معينة تفسرها أو تحل مشكلة ما, ولا يمكن إسقاطها على كل العصور.

محاولات  لتجديد وتطوير الخطاب الديني ورفض لهذه المحاولات, والمرأة تخوض نضال من اجل انتزاع حقوقها , لكن حتى هذه اللحظة  يبقى سوط التكفير أقوى .

ويبقى من المهم نضال المرأة اليمنية  لتغيير كل القوانين التي تمتهن كرامتها وتحرمها من حقوقها.

كنا في فريق الحقوق والحريات, في الحوار الوطني نناقش قضية زواج الصغيرات , الغالبية وافقوا  على تحديد سن الزواج  بــ18 سنة, انتفض ممثلو حزبين , تهديد ووعيد, وانه أصلاً لا نقاش في حدود وشرع الله , ولا يمكن القبول بتحديد سن الزواج ومخالفة الشرع ! هؤلاء هم من أخرجوا نساء جامعة الإيمان رافعات للمصاحف ضد تحديد سن الزواج , وهن من رفضن الكوتا بتخصيص30% للنساء , كأداة تمكين للمرأة, والمبرر,المصطلح غربي , والنساء اللاتي يناضلن من أجل المساواة يسعين لتقليد الغرب الكافر ولا يردن خير لأمة الإسلام!

ولعلنا نتذكر الكتيب - رسالة علماء اليمن بشأن الكوتاالصادر عمن أطلقوا على أنفسهم علماء الفضيلة عام 2008م في الملتقى التأسيسي لـ هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, والذي حرمت فيه الكوتا بل تعداها إلى الطعن بأعراض النساء اللاتي يشاركن في الحياة السياسية حين قال إن " فتح الباب لتسابق النساء على الخروج من المنزل، والاختلاط بالرجال في أماكن العمل، وإظهار جمالهن لكل الرجال سينشئ عواطف وعلاقات جديدة بين الرجال والنساء غير علاقة الزواج، هي علاقة العشاق والأخدان، ومع استمرار إظهار الزينة من النساء للرجال وانجذاب الرجال إليهن وعشقهم للجمال والزينة عندهن يصل المجتمع إلى الفوضى الجنسية وما يصاحبها من ضياع العفة، وانتشار الزنا، وكثرة الأولاد غير الشرعيين..."  يقولون المرأة ناقصة عقل , وماذا عن هؤلاء الذين لايرون في المرأة غير جسد؟ وأنها لن تخرج إلا لإغواء الرجل وممارسة الفاحشة ؛ أعمى الله قلوبهم وأبصارهم فلم يروا  المرأة في الحقول والمصانع وفي مختلف المجالات بجانب الرجل تساهم في بناء الوطن .

الموقف من الكوتا أكده في تصريح لموقع الجزيرة نت المتحدث باسم هيئة علماء اليمن عبد الملك التاج أنها مصادمة للشريعة الإسلامية ..., و بما أنهم مهتمين بإرادة الشعب فهي تصادر إرادة الشعب بفرض النساء على الشعوب, ونيابة عن نساء اليمن قرر التاج إن الكوتا ليست مطلب للمرأة اليمنية , ولم ينس الغيورعلى دينه التأكيد على أنها مطلب أجنبي, تتبناه نساء مرتبطات بالسفارات ومدعومات من منظمات أجنبية. ويتساءل باستخفاف وانتقاص من قدرات النساء (هذا ما بدا لي من طريقة سؤاله وجوابه) :هل تستطيع النساء حل المشاكل التي عجز الرجال عن حلها عند توليهن المناصب؟ ويرد على سؤاله بنفسه "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" وأفلحت المانيا ودول أخرى تولت أمرها امرأة , وبالمقابل فشلت دول إسلامية ولت أمرها الذكور , وقبلها فشلت مجتمعات غربية وعربية ولت أمرها لرجال الدين! لأنه وبطبيعة الحال الأمر غير مرتبط بالرجل أو المرأة  لو كانوا يعقلون

إذاً عبد الله العديني  والتاج وهيئة الفضيلة , وغيرهم غير ملومين على  تطرفهم , فهم أبناء هذا التراث الديني , هذه الثقافة وهذه التفسيرات "الذكورية" السابقة لعصرهم بقرون, أبناء هذه البيئة , لم يأتوا  بشيء من عندهم, بل هو (تراثنا الإسلامي )