معوقات السلام ومخاطر العنف في اليمن

لا يقتصر العنف على المواجهات المسلحة التي أدت الى تمزيق الوطن ومعه النسيج الإجتماعي، فهناك العديد من أشكال العنف التي تولد الاحتقانات وتكون سبباً في نشوب المواجهات المسلحة وعدم الإستقرار، منها العنف السياسي المؤدي إلى تهميش القوى الوطنية وعامة الشعب.

 فالعنف البنيوي الذي تمارسه سلطات الأمر الواقع في أبنية المؤسسات التابعة للدولة يمنع القوى الوطنية والأفراد من تحقيق ذاتهم في ظل ممارسات تفتقر للعدالة الإجتماعية، وبالتالي يمكن القول بأن أبرز معوقات السلام اللاعدالة والعجز والفساد المنتج للعنف الإقتصادي إضافة إلى حالة فرض ثقافات وتوجهات قد لا تتوافق مع عامة المجتمع اليمني.

وعليه فالعنف مدخل أساسي في فهم ظاهرة السلام ودراسات السلام، لأننا مرينا بمراحل صعبة قادت إلى تراكمات تعيق عملية التعايش والسلام الوطني، بل حتى السلام الإجتماعي ما أدى إلى نشوب الحرب والمواجهات العنيفة.

بعد مضي أكثر من عام على إعلان الهدنة ومن ثم تمديدها ومع انتهاء الهدنة المعلنة منذ أكثر من نصف عام، ما تزال الهدنة مستمرة ولكنها غير معلنة ومعها توقف العنف المباشر، ولكن العنف البنيوي ما يزال مستمراً من كل الأطراف الممسكين بالسلطة مع تفاوت نسبيته من طرف إلى آخر.

 فسيطرة الجماعات على مراكز قوى السلطة أنتجت مشاكل كثيرة مثل الفقر وانعدام مقومات الحياة، المشاكل الإجتماعية، الحرمان الإقتصادي الناتج عن قطع المرتبات وقلة الأجور، والأمية وتدهور التعليم والبيئة والصحة، وانتهاك الحقوق والحريات وغيرها، كلها تعتبر أسباباً وقنابل موقوته قد تنتج تصادمات مباشرة في أي لحظة.

لذلك يجب العمل على إنهاء كل أشكال العنف حتى يتحقق السلام بما فيه العنف الكلاسيكي الذي أنتج الآلام أثناء الحرب والتعذيب.

كذلك إنهاء الحرمان المادي للحاجات الأساسية بصرف الرواتب والتعويضات. وإنهاء عملية القمع الذي أدى إلى الخسارة الكاملة للحريات المدنية والإنسانية.، 

وإنهاء الاضطرابات الإجتماعية التي اتسعت بسبب التمييز المذهبي ودوره في توزيع المناصب والوظائف والولاءات والثروة والأعمال التجارية وغيرها مما سبب حالة البطالة المطلقة.

كما أن الإعتقاد بتفوق النسب حالة من حالات العنصرية التي تقود إلى العنف وإنتاج حالات مرضية تولد العنف والقهر وحالة اللاإستقرار في المجتمع.

وفي حال تجاوزنا تلك المعوقات السابقة وتوصلنا إلى حل شامل تتحقق معه إعادة بناء الدولة المركزية التي يتمثل فيها ويتساوى كل أبناء الشعب اليمني لتبقى هناك مشكلة العجز الإقتصادي الناتج عن الحرب والتراكمات السابقة حيث نجد أن الظروف الإقتصادية العامة سوف تقف عائقاً أمام السلام.

 فالكساد الإقتصادي وعجز الميزان التجاري والديون وما خلفته الحرب وعدم قدرة الدولة على الإيفاء بالتزاماتها قد ينتج العنف أيضاً ويشكل عائقاً أمام تحقيق السلام.

 لذلك يجب على رعاة السلام في اليمن العمل على تجاوز هذه المعضلة ورفد الخزينة العامة للإيفاء بالتزاماتها وتغطية العجز في الميزان التجاري إن كانوا فعلا حريصين على تحقيق السلام في اليمن، فالوضع لم يعد يخص اليمنيين فحسب بل يهم الأمن والسلم الإقليمي والدولي.

 ومع تزامن انعقاد القمة العربية في الرياض تحت عنوان العمل العربي المشترك والتي سيكون لها دور محوري في المستقبل العربي ومع وجود سورية بعد غياب 12 عاماً يبقى لهذه القمة أهمية كبيرة وتمثل نقلة نوعية للعمل العربي المشترك وتجاوز الماضي وتكريس الجهود من أجل المستقبل ولن يتحقق ذلك إلا بالسلام والاستقرار في كل الأقطار العربية.

 وهنا تضع الجماهير العربية آمالها وتطلعاتها نحو هذه القمة التي تعقد في المملكة العربية السعودية بعد تغيرات استراتيجية قادت المملكة إلى مصاف الدول الكبرى، فهل ينعكس ذلك على كل الأقطار العربية؟ 

وهل ترتقي الجامعة العربية لمهامها الحقيقية بعد انتكاسات كبيرة أفقدتها ثقة الجماهير العربية التي تمتلك آمالاً كبيرة أولها تحقيق السلام في اليمن ووقف الاقتتال في السودان وكسر الحصار على سورية والتسوية السياسية في ليبيا وتجاوز معضلة الرئاسة في لبنان.

 وكل ذلك يجعل القمة العربية قمةً استثنائية خاصة إن حققت نجاحات في تلك الملفات.

* ديلوماسي وسياسي يمني