ما الذي قد يهتم له الإنسان أكثر من سعادة عائلته؟

الرجل اليمني يتعرض لامتحان غير عادل، يعتقد نفسه كل مساء رجلاً مقصراً، وبود أحدهم أن يقول: تعبت من كوني مقصرا، تعبت من اختلال معادلة الحياة والأبوية والاكتفاء.

هل أكرر هنا سرد المثل الذي أسعى بسرده للتخفيف ربما من لوعة الأب اليمني، واهتزاز ثقته بنفسه كرجل مسؤول؟
المثل هو من فيلم لدينزل واشنطن، حيث يعجز عن توفير القيمة المالية لعملية نقل قلب لابنه المريض، فيشهر مسدسه. يشهره بوجه الأطباء، وبوجه عقلانيته، وبوجه نظام التأمين الصحي، وبوجه أمريكا التي تدعي تفوقها في رعاية الإنسان وحمايته.
وجوهر المثال هنا هو في كلمات ضابط الشرطة العاقل الذي يبدو في طريقه للتقاعد، وتشي ملامحه بخبرة وتفهم إنساني، وعتب للحياة برمتها، ويقوم الضابط بمناداة دينزل واشنطن المتمترس داخل المستشفى، يريد قلبا لابنه المريض بالقوة، يناديه قائلا: لا أحد منا يفي بكل التزاماته العائلية، ليس من السهل أن تكون رجلا هذه الأيام.
ليس من السهل يا صاحب البلاد، والكلام هنا لي، إذ خرجنا من الفيلم، ليس من السهل أن تكون رجلا بدون دخل ولا حكومة تضمن الحد الأدنى من التزامات الدولة تجاه رعاياها، وأبناؤك هم أيضا رعايا هذه الحكومة، وليسوا رعيتك وحدك.
إنهم يجابهون قدر العيش ببلاد الفساد والهدر، وحيث فرصة الحياة لأبناء اللصوص وحدهم، وليجابه أبناء الناس قدرهم، يتهربون إلى السعودية مخلفين وراءهم امتحانات الصف التاسع، منتقلين لمرحلة جديدة أساسها تغولات الفقر وتلاعباته بالأعمار الغضة.
أقول للمتسولة السمراء بجولة سبأ: لو أنتِ بأمريكا إنك بنت الرئيس، فتحدق بفضول طفولي، وفي حضنها رضيع في شهوره الأولى، أغادرها متمنيا في أعماقي أن يكون الرضيع أخاها الصغير، لكن إحساسا فظيعا داخلي يقول إن الرضيع ابنها، وإن الفقر ونذالة الحياة وقسوتها في اليمن قد استولدت من هذه الطفلة كائنا تحفر الشمس في عينيه، ويتألم، والحياة تمضي، سيارات مسرعة تحاول اللحاق بإشارة جولة سبأ، وسينمو رضيع الطفلة بمرور الزمن، ورعاية مبدأ تكيف الكائن مع ضروب الحياة القاسية.
في اليمن يرعى الرئيس أبناءه، وأبناؤكم لهم الله.
منح جامعات هارفارد وجورج تاون والأكاديميات الملكية الأوروبية، وربما الأردنية والخليجية، هذه لأبناء غير أبنائكم أنتم الباحثين دوما عن أمل في تعليم فتيانكم ليتلقفوا رجولة ممكنة أكثر.
لهم فنادق الماريوت وحياة رجنسي وتذاكر الدرجة الأولى، ولكم العودة المخذولة كل مساء وقد مضغتم قاتا سيئا يحملكم كل خطايا العالم، محاولين استظهار قدرتكم على الرجولة فوق الفرش الإسفنجية على النصف الأنثوي منكم، المتلقي دائما لكل استيهامات الرجولة في دنيا تستحلب العائل وتحيله عبئا.
يقول أحدهم: "أبز بندقي وأروح العمشية، أتقطع"، فأخبره أن هذه أيضا لم تعد في المتناول، إذ إن عليه الانتماء للحركة الحوثية التي تسيطر على العمشية، وقد تضعه فيها يفتش السيارات بحثا عن أغانٍ ماجنة تحاول التسلل إلى صعدة.
حيث لا دولة، كل واحد ملزم باستظهار رجولته ليحيا ولو بقطع الطريق، غير أن زمنا جديدا يحول بين الفقير وبين النزق الغاضب، ذلك أن على الناس من الآن التفكير جديا في الاختباء تحت عباءة رجولة حزب أو جماعة، ويعيشون. هذا بالنسبة لبعض المحظوظين، حيث ستواجه الغالبية قدرها بلا ضامن. وسيجد المحظوظ فرصة حياة مع جماعة أو حزب أو تكوين مناطقي ضمن مرحلة جديدة من رجولة الارتزاق.