عدم نجاح عملية السلام في اليمن يوثر سلبًا على الشعب

تعاني اليمن منذ عدة سنوات حرباً مدمرة  وصراع بين طرفي السلطة ورغم الجهود المستمرة لإحلال السلام وإنهاء الصراع، إلا أن أطراف الصراع لم تظهر أي جدية في تحقيق الاستقرار وإعادة بناء اليمن. 

فقد أظهرت الأحداث الماضية أن الحوثي ليس شريكًا جادًا في صناعة السلام وأنه لا يرغب في ذلك.

على الرغم من توقيع العديد من الاتفاقيات الماضية بين الأطراف المتنازعة، إلا أن الحوثي لم ينفذ أيًا من الالتزامات المتفق عليها، بل على العكس تمامًا، استغل الهدنة والمفاوضات لإعادة ترتيب وضعه وتعزيز قوته العسكرية، في حين دفع الشعب اليمني ثمنًا باهظًا لتلك المغامرات. 

فالطرقات ما زالت مقطوعة، والمدن محاصرة، وأصبح على عاتق المواطن تحمل أعباء جديدة نتيجة الإجراءات غير القانونية التي فرضتها المليشيات الحوثية اقتصاديًا وماليًا.

وبالمقابل، فإن الحكومة اليمنية ضعيفة وتنهشها الخلافات والصراعات الداخلية بين مكوناتها، لكنها ملتزمة بجميع الخيارات والمساعي لتحقيق السلام الشامل والعادل، الذي يحفظ لليمن أمنه واستقراره ووحدته ونظامه الجمهوري ونهجه الديمقراطي. 

ولكن، بالنظر إلى الأوضاع العامة في اليمن، وما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والإنسانية التي يعاني منها الشعب اليمني، فالواقع يؤكد أن التعامل الحوثي مع المكونات السياسية اليمنية كانت تجربة مُرة. فالحوثيون يمثلون جماعة عقائدية لا تؤمن بالشراكة، بل تسعى لتحقيق أهدافها الخاصة دون الالتزام بأي تعهدات أو اتفاقيات.

عدم نجاح عملية السلام في اليمن يوثر سلبًا على الشعب

 بالاضافة إلى مآلت إليه الأوضاع الاقتصادية والإنسانية التي يعاني منها الشعب اليمني،  يشهد ملف رواتب الموظفين تعقيدات من شأنها عرقلة مسار إحراز اتفاق شامل بين الحكومة المعترف بها دولياً والحوثيين، هذا الاتفاق الذي تقوده سلطنة عُمان والامم المتحدة منذ أشهر، تمهيداً للوصول إلى اتفاق شامل ينهي أزمة البلاد المستمرة منذ نحو تسع سنوات.

حيث يرى مراقبون أن ثلاثة تحديات برزت أمام التوصل إلى توافق بشأن آلية دفع رواتب موظفي القطاع العام في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، وتمثلت هذه التحديات حول كيفية احتساب إجمالي قيمة الرواتب المفترض دفعها بموجب كشوفات ديسمبر 2014م، وكذا كيفية إيجاد مصادر تمويل الآلية المرتقبة، بالإضافة إلى القيود ذات العلاقة بالسياسة النقدية التي يتبعها بنك صنعاء وعدن في ظل انقسام عمل البنكين منذ نقله إلى العاصمة المؤقتة عدن في سبتمبر 2016م.

وطبقا لباحثين فإنه من المتوقع أن تواجه الوسطاء الدوليين والإقليميين تحديات صعبة في مساعيهم لبناء توافق بين الحكومة المعترف بها دوليا، وجماعة الحوثي على آلية تسليم مرتبات الموظفين في القطاع العام داخل مناطق سيطرة الأخيرة، وقد يتحول هذا الملف الإنساني إلى عقبة رئيسة أمام الجهود الحالية لتمديد الهدنة وتوسيعها مستقبلاً على طريق إيقاف الحرب بشكل نهائي وعودة البلاد إلى مسار الحل السياسي.

ووفقاً لمتابعين فإن المفاوضات التي تدور حالياً بمساعي حوثية ورعاية عمانية، هي بشأن آلية تسليم مرتبات موظفي القطاع العام داخل مناطق سيطرة الحوثيين، في الوقت الذي يسلط الضوء هذا الملف مجدداً على مسألة الانقسام المالي، بفعل وجود بنكين مركزيين في صنعاء وعدن، والتداعيات المحتملة على صعيد السياسات النقدية، وأولوية معالجة هذا الانقسام في أي ترتيبات تمهد للحل السياسي الشامل.

إغلاق مطار صنعاء «يعدم» اليمنيين بصمت

وفي جانب المعاناة لإنسانية طال انتظار عشرات الآلاف من اليمنيين عودة الحركة الملاحية إلى مطار صنعاء الدولي، منذ أكثر من عام، بلا جدوى. وبعيداً من وعود الأمم المتحدة، ومكتب الشؤون الإنسانية التابع لها في اليمن، باقتراب رفع المزيد من القيود عن المطار، فإن دول «التحالف» التي أغلقت هذا المرفق رسمياً في آب من عام 2016، لا تزال تفرض قيوداً مشدّدة على الحركة الملاحية منه وإليه، متنصّلة من كل الالتزامات الخاصة بالهدنة الإنسانية.

وتقول مصادر مطلعة، إن كافة المساعي التي بذلت من قبل الوساطة العُمانية والأمم المتحدة خلال الفترة الماضية لتوسيع الرحلات الجوية من المطار وإليه، اصطدمت برفض أميركي غير مبرر»، مشددة على أن «فتح المطار ضرورة إنسانية لإنقاذ حياة الآلاف من المرضى من موت محقق».

وفي حين كان الشارع اليمني يترقّب توسيع نطاق وجهات السفر من واحدة إلى خمس، وفقاً لاتفاقات سابقة بهذا الشأن، فوجئت شركة طيران «اليمنية» بوقف جدولة الرحلات الإضافية إلى عمّان مطلع تموز الفائت، حيث تم بقرار من «التحالف» تقليص الرحلات التجارية من «مطار الملكة عليا» في الأردن وإليه، من ست رحلات تجارية إلى ثلاث فقط، وهو ما ضاعف معاناة المغتربين والمرضى الراغبين في السفر عبر الرحلات التجارية المتاحة.

 ويُضاف إلى ذلك أن القرار الذي أدى إلى وقف الاتصالات بين الحوثي والسعوديين بشكل كلي، وفق مصادر سياسية مطلعة، نتجت منه إعادة أزمة العالقين اليمنيين في عدد من مطارات العالم وعواصمه، أخيراً، إلى الواجهة. 

فالآلاف من المواطنين الذين تمكنوا من السفر من مطار صنعاء إلى عمّان خلال الأشهر الماضية من العام الجاري، صاروا عالقين في عواصم عدد من الدول العربية بعد تخفيض أعداد الرحلات الأسبوعية من مطار صنعاء وإليه بنسبة 50%، بينما مثّلت كل الرحلات التجارية التي انطلقت من العاصمة اليمنية خلال العام الفائت نحو 1 % من الاحتياج الفعلي، وبتكلفة مالية تزيد بـ50% عن تكلفة السفر من مطار عدن، في ما يمثّل احتكاراً واضحاً واستغلالاً غير أخلاقي لمعاناة المواطنين.

وتقول مصادر حقوقية في صنعاء، إن «هناك عشرات الآلاف من الحجوزات عبر طيران اليمنية لم يتم البت فيها منذ أشهر بسبب تقليص الرحلات، وتعثّر كل المساعي التي بذلت لتوسيع الرحلات إلى وجهات جديدة».

وتلفت إلى أن «تذاكر السفر التي قدمتها شركة طيران اليمنية للراغبين في العودة إلى مطار صنعاء من عمان خلال أيلول من العام الجاري، نفدت بعد نصف ساعة فقط من فتح باب الحجز»، متوقعة تصاعد أزمة العالقين اليمنيين في الخارج خلال الفترة المقبلة، في حال فشلت الجهود الإقليمية و الأممية في إحداث اختراق في هذا الملف.

باستثناء رحلة تجارية واحدة جرت منتصف العام الفائت بين صنعاء والقاهرة، تنتظر صنعاء عودة الرحلات التجارية إلى مصر منذ عام، وفقاً لوعود أممية، ولكن من دون جدوى، فكلما اقترب موعد استئناف الرحلات الجوية إلى هذه الوجهة، تم التأجيل من قبل دول «التحالف» التي تستخدم القيود على المطار، كورقة ضغط.

وكانت مصادر في وزارة النقل في صنعاء قد توقّعت أن تباشر شركة «بلقيس» للطيران، وهي شركة أهلية يمنية، أولى رحلاتها الجوية من مطار صنعاء إلى القاهرة، بعد أن رفضت شركة« اليمنية» الحكومية استئناف رحلاتها إلى مصر، إلا أن هذه الانفراجة الجزئية انتكست بعدما أجلت الشركة تدشين أولى رحلاتها التجارية المباشرة إلى مصر، وأوقفت بيع تذاكر السفر في مناطق سيطرة الحوثي.

وتشير الإحصائيات الرسمية، إلى أن فاتورة إغلاق مطار صنعاء تتجاوز فاتورة الحرب. فخلال ثماني سنوات من العدوان، قتل وأصيب نحو 48 ألف مواطن يمني، إلا أن تعطيل المنفذ الجوي تسبب بوفاة أعداد كبيرة من المرضى اليمنيين الذين كان بالإمكان إنقاذ حياتهم لو تمكّنوا من السفر للعلاج في الخارج.

 وفي هذا الإطار، قدّرت وزارة الصحة في صنعاء، عدد المرضى المتضرّرين من استمرار إغلاق المطار بنحو 450 ألف مواطن، وأكدت وفاة أكثر من 120 ألف مريض خلال السنوات الثماني الماضية من عمر الإغلاق.

 وقالت إن المطار كان يستقبل نحو 6 آلاف مسافر بشكل يومي، من ضمنهم المئات من المرضى. وكان إجمالي عدد الرحلات التجارية التي تنطلق منه يتجاوز 30 رحلة يومياً.

 وأكدت الوزارة أن واحداً من كل عشرة مرضى مسجلين في سجلات السفر إلى الخارج، يموت بسبب انعدام الأدوية والمستلزمات الكافية لإنقاذه في المستشفيات اليمنية.

 وما ضاعف ذلك، استمرار منع دخول الأدوية المنقذة للحياة والمستلزمات الطبية الضرورية على رغم الحاجة الملحة لها.

لذلك، يجب على المجتمع الدولي والأطراف الداعمة للسلام في اليمن أن يتخذوا إجراءات حازمة للضغط على أطراف الصراع للجلوس على طاولة الحوار والبدء في مشاورات تنهي الحرب الدموية وتتجه للسلام الشامل. 

كما يجب أن يتم مساءلة أطراف الصراع عن انتهاكاتهم للاتفاقيات السابقة وعن تجاهلهم لمصلحة الشعب اليمني، بالمقابل يجب أن يتم توجيه الدعم والمساعدة اللازمة للحكومة اليمنية لتمكينها من استعادة الأمن والاستقرار في البلاد.

في النهاية، يجب أن يتم توجيه الاهتمام العالمي إلى الوضع اليمني، وأن يتحرك المجتمع الدولي بقوة لوضع حد للصراع وتحقيق السلام الدائم في اليمن. 

وهذا لن يكون ممكنًا إلا بعد التعامل بحزم مع الحوثي وتأكيد أنه ليس شريكًا جادًا في صناعة السلام.

* قسم المتابعة والتحرير