تسوية أوّلية على طريق الحلّ الشامل: وفد حوثي في السعودية

  قبل زيارة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، «الخاصة» والمفاجئة لسلطنة عمان، لم يكن أحد يتوقع أن تتسارع التطورات في الملف اليمني، في اتجاه الحل، على هذا النحو. 

إذ أُعلن رسمياً أن وفداً من حركة الحوثي توجّه، مساء أمس، إلى الرياض للتوقيع، على ما يبدو، على اتفاق بشأن إعادة إنتاج النفط وصرف مرتّبات الموظفين، بما يفتح الباب واسعاً أمام تسوية سياسية للأزمة.

وقالت مصادر مطلعة، أن الحلحلة كانت قد بدأت مع زيارة الموفد الأميركي، تيم ليندركينغ، الأخيرة لسلطنة عمان، حيث سمع العمانيون منه، للمرة الأولى، أن واشنطن لم تعد ترفض معالجة مشكلة الرواتب، لكن العقدة ظلّت متمثّلة في كيفية الصرف، إذ كانت حركة الحوثي تريد أن تتولّى هي توزيع المبالغ بعد أن تتسلّمها بالدولار أو بالريال السعودي، فيما كان الطرف الآخر يرفض ذلك.

 وأوضحت المصادر أن «الاتفاق تمّ الآن على جهة محايدة (يمكن أن تكون سلطنة عُمان أو الأمم المتحدة) هي التي ستتولّى تسلّم الأموال وصرفها لمستحقيها بالتعاون مع سلطة الحوثي».

 ورأت المصادر أن «الوسطاء والامم المتحدة ومعهم أمريكا والسعودية استفادوا»، على طريق الوصول إلى حلّ وسط، «من موجة ضغوط قوية تعانيها حركة الحوثي في صنعاء، وخصوصاً من جانب شركائهم الأحزاب الصورية في السلطة، والقوى الوطنية الفاعلة، والمنظمات الحقوقية والإنسانية، والأكاديميين والإداريين بالجامعات والمراكز البحثية اليمنية، والتربويين وموظفي الدولة المقطوعة رواتبهم منذ عام 2016م، والذين رفعوا مستوى الاحتجاج على مسألة الرواتب».

الأمر المهمّ الآخر، وفق المصادر ذاتها، «هو موافقة السعودية على إنجاز عملية تبادل شاملة تقفل ملف الأسرى بين الجانبين وبين الشمال والجنوب، إذ ثمّة حديث عُماني عن ضمانات مباشرة قدّمها ابن سلمان بهذا الخصوص».

 وكشفت المصادر أن الاجتماع الذي جرى بين ابن سلمان والرئيس الإماراتي، محمد بن زايد، على هامش «قمة العشرين» في نيودلهي، تطرّق إلى الملف اليمني، حيث «قَبِل الاماراتيون بأن يشارك وكلاؤهم في الجنوب مشاركة كاملة مع حلفاء السعودية في البحث عن الحل. 

واتفق الرجلان أيضاً على أن يكون وفد الحكومة اليمنية إلى الأمم المتحدة (اجتماعات نيويورك) مشكّلاً من اثنين يمثلان اليمن (رئيس المجلس الرئاسي، رشاد العليمي، ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزبيدي)».

وذكّرت المصادر بأن ثمّة عناصر ضغط سبقت الاتفاق، وأن «البحث عن الاستقرار في هذه المنطقة صار مطلباً أميركياً وسعودياً بعد قمة العشرين، وأنهم مستعدون لدفع الأثمان اللازمة لهذا الاستقرار»، مضيفة إن ابن سلمان الذي التقى الرئيس الأميركي، جو بايدن، على هامش القمة، «كان يقول إن الأميركيين هم من يعوّق الأمر، وإلا لحصلت حلحلة، حتى إنه طلب من مقربين منه في السعودية بدء الحديث عن ضرورة إنجاز سلام الشجعان مع الحوثيين وعن ضرورة الحوار بين اليمنيين بكل مكوناتهم».

في المقابل، أبدت حركة الحوثي، بحسب المصادر، مرونة في ما خص الشروع في مفاوضات الحل النهائي، ووافقت على فتح الطرق، وخصوصاً معابر تعز، كما وافقت على لائحة المحطات الجديدة للطيران.

 في المقابل، نُقل عن عضو «المجلس الانتقالي الجنوبي»، صلاح بن لغير، كلاماً يعبّر عن استياء من الاتفاق، إذ أشار الأخير إلى أن «البعض يتحدث بسذاجة عن اتفاق سلام شامل، سيوقّع خلال أيام في الرياض مع الحوثيين... لكن لا يوجد حتى الآن أي اتفاق سلام. 

وأضاف ما يجري مفاوضات سرية منذ أشهر في غرف مغلقة بين الحوثيين وأطراف خارجية، لكنها كانت كلها تبحث في إمكانية إطلاق عملية سلام ومفاوضات طويلة الأمد، وهذا لم ينجح حتى الآن».

ورأى أن «ما يُبحث خلال الأشهر الأخيرة يصبّ في مناقشة تلبية مطالب الحوثيين حول الرواتب والمنافذ وشرعنة حكمهم في مناطق سيطرتهم قبل الدخول في عملية سلام»، فيما «مجلس القيادة الرئاسي مثل الأطرش في زفة مسقط، لكن رئيسه سيُستدعى لتوقيع أي اتفاق محتمل وربما لن يُسمح له بقراءة البنود». 

ورأى أن «ما تم الاتفاق عليه لا يتعدّى تنازلات جديدة تُقدّم للحوثي في مسألة الرواتب والإيرادات والمنافذ»، بينما «يُنتظر أن يتمّ التوقيع على تسليم الموظفين وجنود الحوثيين الرواتب، بالإضافة إلى - وهذا هو التنازل الجديد - تسليم ميزانيات كاملة لكل المؤسسات الحكومية في صنعاء ومناطق الحوثيين مع بقائها تحت سيطرتهم، وتسليمهم جزءاً من إيرادات النفط والموانئ والغاز».

وأشار إلى أن «كلّ هذه التنازلات مقابل أن يوافق الحوثي مستقبلاً على الانخراط في مباحثات سلام مع الطرف الداخلي، ويتنازل عن شرط أن تكون المفاوضات مباشرة مع التحالف. وهو حتى الآن لم يوافق، بينما يستمر في حصد التنازلات. 

وبمعنى آخر، نحن أمام شرعنة الحوثيين وانقلابهم وتثبيت حكمهم، وهذا بمعنى ثالث إعلان انتصار صريح للحوثي في اليمن الشمالي، وهذا هو المستقبل هناك».

ومنذ بدء ابن سلمان زيارته للسلطنة الاثنين الماضي، تسارعت الأنباء بشأن التطورات في المفاوضات بين السعودية والحوثيين.

 وفي هذا الإطار، أكدت مصادر سياسية في الحكومة اليمنية، تلقّي الأخيرة طلباً سعودياً عاجلاً بسرعة تشكيل وفد مفاوض للقاء وفد الحوثي بهدف الاتفاق حول آليات صرف المرتبات، وفتح الطرقات، وتوسيع رحلات مطار صنعاء إلى خمس وجهات بدلاً من وجهة واحدة، فضلاً عن الرفع الكلي للحصار عن مطار العاصمة.

 وفي الإطار عينه، قالت وسائل إعلام في عدن إن «مجلس القيادة الرئاسي» وصلته دعوة سعودية، أمس، للعودة إلى الرياض، ونقلت عن مصادر مقربة من مكتب العليمي القول إن الدعوة سُلّمت إلى ثلاثة من أعضائه يمثّلون أهم قوى في السلطة وهي: «الإصلاح» و«المؤتمر» و«الانتقالي».

وواكب زيارة ابن سلمان لمسقط، منذ بدايتها، ضجيجٌ كبير على وسائل التواصل الاجتماعي، عنوانه تفاؤل في تحقيق تقدّم في الأزمة اليمنية المجمّدة منذ أشهر طويلة بسبب تعنت أطراف الصراع وعرقلتهم للحلول، ومنع التوصّل إلى اتفاق يرسّخ الهدنة القائمة ويفتح أبواب إنهاء الحرب التي بدأت عام 2015. 

وعكس الإصرار العُماني على إنجاح الوساطة رهاناً على إمكانية تجاوز العقبات الأميركية، على رغم أنه لا يمكن الحديث عن قفز مسقط فوق المصالح الأميركية، وبالتالي لا يمكن نجاح الوساطة إلا بمساومات تكون واشنطن طرفاً فيها. 

لكنّ زيارة ابن سلمان للعاصمة العُمانية تعني أن الرجل يرغب حقيقة في الوصول إلى تفاهم حول الملف اليمني، ولذا فهو يسعى إلى البحث عن سبل لتجاوز المعوّقات الأميركية أمام تحقيق تلك الرغبة.