زيارة الحوثيين إلى السعودية: هل تفتح الأفق لتسوية يمنية؟

 يجري وفد من حركة الحوثي مفاوضات في العاصمة السعودية الرياض، في تطور جديد بمسار التفاوض المتعثر في الأزمة اليمنية، وامتداد لسلسلة من اللقاءات والمفاوضات الممتدة منذ أكثر من عام برعاية الوسيط العماني من أجل التوصل إلى تسوية سياسية للحرب المندلعة في اليمن منذ عام 2015.

وأعلنت السعودية، في وقت متأخر من مساء أول من أمس الخميس، أنها وجّهت دعوة لوفد الحوثيين لاستكمال النقاشات حول وقف إطلاق النار والتوصل لحل سياسي للأزمة اليمنية، وجاء ذلك بعد وصول الوفد الحوثي برفقة وفد عُماني إلى الرياض على متن طائرة عمانية قادمة من صنعاء.

وتأتي الزيارة بعد نحو 5 أشهر من زيارة وفد سعودي إلى صنعاء، ولقائه قيادات حوثية في منتصف شهر إبريل/ نيسان الماضي. وعلى الرغم من أن تلك الزيارة انتهت بتصريحات إيجابية من الطرفين على أن يتم استكمال المناقشات والاتفاق، إلا أنها جُمّدت خلال الأشهر الماضية في ظل استمرار حالة الهدنة على الأقل بين السعودية والحوثيين كلياً.

مسار التفاوض

وبدأ مسار التفاوض عقب إعلان الهدنة في 2 إبريل 2022، التي على أثرها تم إعلان وقف إطلاق النار، وعدد من البنود الإنسانية، منها فتح الموانئ وتدشين رحلات من مطار صنعاء، وفتح الطرق في تعز. وتم تنفيذ كل البنود باستثناء فتح طريق تعز، إذ ما زال الحوثيون يحاصرون المدينة منذ سبع سنوات.

ولاحقاً برز ملف تسليم رواتب الموظفين في مناطق سيطرة الحوثيين. وقال رئيس وفد الحوثيين التفاوضي محمد عبد السلام إن "جولة التفاوض الحالية تأتي في إطار النقاشات التي قمنا بها مع السعودية في مسقط وصنعاء، وأن الملف الإنساني على رأس الملفات، المتمثل في صرف رواتب جميع الموظفين وفتح المطار والموانئ والإفراج عن كافة الأسرى والمعتقلين".

وجاء حديث القيادي الحوثي قبل مغادرته إلى الرياض، وأضاف: "من الملفات التي نعمل عليها خروج القوات الأجنبية وإعادة إعمار اليمن وصولاً إلى الحل السياسي الشامل"، وفق ما نقلت قناة "المسيرة" في تصريح تلفزيوني مقتضب.

وعلى الرغم من إعلان الموافقة على تسليم الرواتب من قبل الحكومة اليمنية في أكتوبر/ تشرين الأول 2022 إثر وساطة أممية من أجل تمديد اتفاق الهدنة حينها، غير أن جماعة الحوثي ذهبت نحو التصعيد واستهدفت موانئ تصدير النفط الخام بمناطق الشرعية (شرق اليمن)، وشنّت هجمات بالطيران المُسيّر، واستطاعت منع التصدير، وهو ما تسبب بأزمة مالية للحكومة اليمنية.

وخلال مسار الهدنة منح التحالف الذي تقوده السعودية تسهيلات للحوثيين في الرحلات الجوية وأيضاً في ميناء الحديدة، غير أن الحوثيين ما زالوا يطالبون بإنهاء حالة الحصار بالكامل من أجل المضي قدماً نحو اتفاق السلام، ويهددون ما بين الحين والآخر بالتصعيد العسكري.

وأفاد مسؤول في الحكومة اليمنية مطّلع على فحوى المحادثات بين الحوثيين والسعودية، بأن الغاية من الزيارة "عقد جولة مفاوضات مع السعودية والتوصّل لاتفاق نهائي بشأن تفاصيل الملفين الإنساني والاقتصادي".

 وأضاف المسؤول في حديثٍ لوكالة "فرانس برس" أن المحادثات تتركّز على مسألة تسديد الرواتب، وتدشين وجهات جديدة من مطار صنعاء.

من جهتها، أفادت مصادر سياسية في صنعاء لـ"فرانس برس"، بأنه من المتوقع أيضاً أن يناقش الحوثيون مع المسؤولين السعوديين "الصيغة النهائية" لوقف شامل ودائم لإطلاق النار، على أن يباشر أطراف النزاع بعد ذلك بالتفاوض مباشرة للتوصل إلى حل سياسي برعاية الأمم المتحدة وبدعم من السعودية وعُمان.

ورحب مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، في بيان أمس، باستضافة السعودية للوفد الحوثي، ووجّه الشكر لسلطنة عمان لدورها في الوساطة في المحادثات. ودعا "جميع الأطراف في هذا الصراع المرير إلى مزيد من التعاون وتوسيع مزايا الهدنة التي حققت نوعاً من السلام للشعب اليمني، وفي نهاية المطاف، وضع حد لهذه الحرب".

زيارة الحوثيين إلى السعودية

وذكر بيان الخارجية السعودية أن دعوة الوفد الحوثي تأتي "امتداداً للمبادرة السعودية التي أعلنت في مارس/ آذار 2021، واستكمالاً للقاءات والنقاشات التي أجراها الفريق السعودي برئاسة السفير لدى اليمن محمد آل جابر في صنعاء بمشاركة الوفد العماني في إبريل الماضي".

ووفق البيان، الذي نشرته وكالة الأنباء السعودية (واس)، فإن ذلك يأتي "استمراراً لجهود المملكة وسلطنة عُمان للتوصل لوقف إطلاق نار دائم وشامل في اليمن والتوصل لحل سياسي مستدام ومقبول من كافة الأطراف اليمنية".

والمبادرة السعودية التي أعلنها وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان تشمل فتح مطار صنعاء، والسماح باستيراد الوقود من ميناء الحديدة، ثم بدء المشاورات بين الأطراف اليمنية للتوصل لحل سياسي للأزمة برعاية الأمم المتحدة، بناء على المرجعيات الثلاث (قرار مجلس الأمن الدولي 2216، والمبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني).

وفي السياق، قال رئيس مركز صنعاء للدراسات ماجد المذحجي، لوكالة "فرانس برس"، إن زيارة الوفد الحوثي للسعودية "هي خطوة متقدمة لإنهاء الدور المباشر للسعودية في اليمن وإقرار الحوثيين بدورها كوسيط" .

وتصاعدت خلال الأسابيع الماضية الضغوط الشعبية ضد مليشيا الحوثي في مناطق سيطرتها، نتيجة المطالبات بدفع الرواتب مع توقف الحرب منذ نحو عام ونصف، وهو ما دفع الحوثيين لإطلاق تهديدات باستئناف القتال، على أثرها زار الوفد العماني صنعاء في 17 أغسطس/ آب الماضي، مجرياً سلسلة من المشاورات مع قيادات الحوثيين.

ورأى المحلل السياسي اليمني سلمان المقرمي "أن الضغوط الشعبية التي تواجه الحوثيين دفعتهم لطلب تدخّل الوساطة العمانية لمحاولة الوصول إلى أي نوع من الاتفاق مع السعودية، لمواجهة التحديات التي تواجههم في الوقت الحالي".

وأضاف، أن "الدور الشعبي المتحرك في مناطق الحوثيين من أجل الخدمات والرواتب، كان ضاغطاً حقيقياً على الحوثيين ومهدداً لاستقرارهم كسلطة أمر واقع، وبرز على شكل كيانات حقوقية جديدة مثل نادي المعلمين والأكاديميين".

وأوضح المقرمي "أن هذه العوامل تحد من سلطة الحوثي، والتي كانت تبرر للمواطنين عجزها بأنها تعيش حالة الحرب، والآن مع استمرار الهدنة أصبح الحراك المجتمعي يتصاعد ضدهم بشكل لافت، والذي أدى إلى خلافات على مستوى القيادة لدى الحوثيين وحلفائهم".

من جهته، رأى الباحث اليمني عدنان هاشم أن الزيارة "واحدة من أهم تطورات حلحلة الأزمة في اليمن، وهي المرة الأولى التي يزور فيها الحوثيون السعودية للتفاوض الرسمي العلني، منذ مفاوضات ظهران الجنوب (في السعودية) في عام 2016".

 وقال  "أعتقد أن هناك اتفاقاً بشأن آلية صرف الرواتب وتمديد اتفاق الهدنة، وهناك تفاؤل أن تنفرج الملفات الإنسانية".

وأشار هاشم إلى "أن هناك استجابة من قبل الحوثيين لما طرحه السعوديون بشأن الرواتب، نتيجة الضغط الشعبي الذي تواجهه الجماعة".

 وتابع: "حتى وإن حدث تقدّم في الملف الإنساني، لكنه لن يقود إلى حل جذري للأزمة وإنهاء الحرب، ويأتي كحاجة سعودية لاستمرار الهدنة وحاجة الحوثيين لتهدئة غضب الناس وتنفيس الضغط الداخلي الذي يواجهونه".

المجتمع الدولي والتسوية في اليمن

يضغط المجتمع الدولي باتجاه إنهاء الحرب في اليمن التي خلفت أسوأ أزمة إنسانية خلال السنوات الماضية، ويرى في مفاوضات الحوثيين والسعودية خطوة مهمة للاتفاق على تسوية، وصولاً إلى مفاوضات يمنية ـ يمنية، غير أن تعقيدات الصراع في اليمن وغياب التصور لشكل التسوية يحتاج لنقاشات ومفاوضات عميقة وشاملة.

وقال الباحث والمحلل السياسي عبد الغني الأرياني إنه حتى "الآن لم تتمكن الأطراف اليمنية ولا الإقليمية والدولية من وضع تصور واضح لشكل الدولة وكيفية الشراكة في السلطة وإعادة اليمن إلى مسار الاستقرار والتنمية".

 وأضاف  "إذا كانت الأطراف لا تعرف ما هي الصيغة التي يجب التفاوض للوصول إليها فهي لن تصل إلى شيء سوى بعض القضايا الإجرائية".

واعتبر أن زيارة الحوثيين إلى الرياض "محاولة للوصول إلى تفاهمات حول بعض القضايا الإنسانية، لكن ما لم يتفق الطرفان اليمنيان، وأحدهما ليس حاضراً تلك المحادثات (أي الحكومة المعترف بها)، على توحيد العملة والمصرف المركزي، فأي اتفاق لن يكون قابلاً للاستمرار".

من جانبه، أفاد مسؤول حكومي مطّلع على فحوى المحادثات بين الحوثيين والسعودية، بأنّ الغاية من الزيارة "عقد جولة مفاوضات مع السعودية، والتوصّل لاتفاق نهائي بشأن تفاصيل الملفين الإنساني والاقتصادي".

وتابع أنّ المحادثات تتركّز على مسألة تسديد رواتب موظفي حكومة الحوثيين غير المعترف بها دولياً عن طريق السلطة، وهي نقطة شائكة، وتدشين وجهات جديدة من مطار صنعاء الذي ظلّ مغلقاً لسنوات قبل أن يسمح التحالف العام الماضي بفتح أجوائه للطائرات إلى الأردن ومصر.

من جهتها، أفادت مصادر سياسية، بأنه من المتوقع كذلك أن يناقش الحوثيون مع المسؤولين السعوديين "الصيغة النهائية" لوقف شامل ودائم لإطلاق النار، على أن يباشر أطراف النزاع بعد ذلك التفاوض مباشرة للتوصل إلى حل سياسي برعاية الأمم المتحدة وبدعم من السعودية وعُمان.

وفي إبريل/نيسان، أنعشت زيارة الوفد السعودي إلى صنعاء، إلى جانب التقارب الأخير بين الرياض وطهران، الآمال بالتوصل إلى حلّ سياسي للنزاع الدامي في أفقر دولة في شبه الجزيرة العربية.

واليمن غارق في حرب على السلطة بين الحوثيين والحكومة منذ منتصف عام 2014، تسبّبت بمقتل وإصابة مئات الآلاف، وبأسوأ أزمة إنسانية في العالم، بحسب تقديرات الأمم المتحدة.

وتراجعت حدة القتال بشكل ملحوظ، بعد وقف إطلاق النار الذي توسّطت فيه الأمم المتحدة ودخل حيّز التنفيذ في إبريل/ نيسان 2022. ولا تزال هذه الهدنة سارية إلى حد كبير حتى بعد انتهاء مفاعيلها في أكتوبر/ تشرين الأول 2022.

لكن الأزمة الإنسانية في البلد الفقير لا تزال تتفاقم، مع تراجع المساعدات الإنسانية بسبب نقص التمويل.

والخميس، طالبت 98 جهة دولية ومحلية، بينها منظمات تابعة للأمم المتحدة، بزيادة التمويل لمواصلة مساعدة "أكثر من 21,6 مليون شخص، أي 75 بالمئة من سكان اليمن".

فرانس برس - العربي الجديد