Logo

بعد 9 سنوات من الحرب.. الصراع المعقد يسير نحو تسوية بتفاصيل ليست واضحة

وصف مسؤولون سعوديون وحوثيون المحادثات التي أجروها في الرياض على مدى خمسة أيام بأنها "جدية وإيجابية"، معربين عن تفاؤلهم بإمكانية التوصل إلى خريطة طريق لوضع حرب اليمن في المسار الصحيح نحو الحلّ، رغم عدم الخروج باتفاق واضح.

وعاد وفد الحوثيين من السعودية، أمس الأول الثلاثاء، إلى صنعاء برفقة الوفد العماني، بعد خمسة أيام من المحادثات في الرياض.

وكان من المتوقع كذلك أن يناقش الحوثيون مع المسؤولين السعوديين "الصيغة النهائية" لوقف شامل ودائم لإطلاق النار، على أن يباشر أطراف النزاع بعد ذلك التفاوض مباشرة للتوصل إلى حلّ سياسي برعاية الأمم المتحدة، وبدعم من السعودية وعُمان.

وقال رئيس وفد الحوثيين التفاوضي محمد عبد السلام: "أجرى وفدنا فور وصوله إلى الرياض لقاءات مكثفة مع الجانب السعودي، ناقشنا فيها بعض الخيارات والبدائل لتجاوز قضايا الخلاف التي وقفت عندها الجولة السابقة".

من جانبها، رحبت وزارة الخارجية السعودية، في بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية (واس)، بـ"النتائج الإيجابية للنقاشات الجادة بشأن التوصل إلى خريطة طريق لدعم مسار السلام في اليمن".

إلى ذلك، التقى وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان وفد الحوثيين. وقال في تغريدة بمنصة "إكس": "نتطلَّع أن تحقق النقاشات الجادة أهدافها، وأن تجتمع الأطراف اليمنية على الكلمة ووحدة الصف؛ لينتقل اليمن إلى نهضة شاملة وتنمية مستدامة... يتكامل مع النهضة التنموية للمنظومة الخليجية".

وفيما كان وفد الحوثيين يغادر الرياض، بحث وزراء خارجية السعودية والإمارات والولايات المتحدة النزاع اليمني في نيويورك، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، مؤكدين ضرورة التعاون لدعم جهود السلام في اليمن الذي يشهد حرباً مدمرة منذ عام 2014م.

ورحبت جماعة الحوثي، مساء أمس الأربعاء، بعد يوم من عودة وفدهم المفاوض إلى صنعاء قادماً من الرياض، برسائل وتأكيدات السعودية الإيجابية، وأعلنت جاهزيتها لمعالجة أي مخاوف لدى الرياض بشأنها، شرط وضعها موضع التنفيذ.

وقال رئيس المجلس السياسي الحوثي (مجلس حكم الجماعة) مهدي المشاط: "لقد سَرّنا ما نقله الوفد المفاوض عن القيادة السعودية، وهي من الناحية النظرية لا شك تعتبر رسائل وتأكيدات إيجابية، ونضعها موضع الترحيب، المشروط بسرعة العمل على وضعها موضع التنفيذ".

وأضاف، في كلمة متلفزة عشية ذكرى سيطرة الجماعة على صنعاء، بكل صدق وشفافية ووضوح، نؤكد بأننا جاهزون لمعالجة أية مخاوف لدى الرياض بقدر جاهزية الرياض لمعالجة المخاوف.

وأكد القيادي الحوثي، حرص جماعته على تحقيق السلام العادل والشامل، ورحب بانفتاح المجتمع الدولي عليهم، وقال: "أتطلع إلى تعديلات جوهرية في المواقف الدولية التي تسببت كثيراً في إطالة أمد الحرب العدوانية".

ماذا بعد 9 سنوات من  الحرب؟

 منذ أكثر من أسبوع أغلقت جماعة الحوثيين كل الطرق المؤدية إلى "ميدان السبعين"، وسط العاصمة صنعاء، وتفرض انتشاراً أمنياً كثيفاً في محيطه، بالتزامن مع الذكرى السنوية التاسعة لسيطرتها على العاصمة صنعاء، في الوقت الذي بدأت فيه الجماعة احتفالات مبكرة بالمولد النبوي، بتجهيزات مكثفة استنفرت فيها كل المؤسسات.

في 21 سبتمبر/ أيلول 2014، سيطرت جماعة الحوثي على صنعاء، وأسقطت كل مؤسسات الدولة. ومنذ ذلك الحين دخلت البلاد في دوامة الحرب والتدخل العسكري الخارجي، وأصبحت تمارس طقوس احتفالاتها بحالة من الصخب، بعيداً عن الهموم اليومية التي يعانيها الناس بفعل الحرب.

مرت البلاد بسلسلة من التحولات في مسار الحرب خلال السنوات الماضية، لكن تبدو الأوضاع هذا العام مختلفة، إذ تشهد البلاد حالة هدنة منذ مطلع إبريل/ نيسان 2022، نتجت عنها مفاوضات ثنائية بين السعودية والحوثيين، بوساطة عُمانية خلال الأشهر الماضية، ووصلت إلى مرحلة متقدمة.

ضغوط شعبية

ومع توقف الحرب وجدت جماعة الحوثي نفسها أمام تصاعد الضغوط الشعبية ضدها للمطالبة بالرواتب والخدمات المقطوعة منذ ثماني سنوات، وسط اتهامات للجماعة بالاستحواذ على جميع الإيرادات لصالح الحرب. وفي الوقت الذي توقفت فيه الحرب مع استمرار التهدئة لم يتغير شيء.

وأعلن خلال الأيام الماضية تشكيل كيانات حقوقية جديدة للمعلمين والأكاديميين تطالب الحوثيين بتسليم رواتبهم وتحمّل المسؤولية كسلطة أمر واقع. لكن الجماعة واجهت ذلك بإطلاق تهديدات بالتصعيد العسكري، حيث تحمل التحالف، الذي تقوده السعودية، مسؤولية عدم تسليم الرواتب وتتفاوض بشأنها معهم.

وتتوجس جماعة الحوثي من أي أصوات معارضة لسلطتها في مناطق سيطرتها، باعتبارها تهدد الجبهة الداخلية. ويُنظر لأي مطالبات على أنها امتداد لحرب خصومها في التحالف والحكومة اليمنية يستهدفها بشكل أساسي.

وصعّدت حالة الاحتقان النقد الحاد ضد جماعة الحوثي في وسائل التواصل الاجتماعي، والتي قوبلت باعتداءات متكررة على منتقدي الجماعة، إذ اعتدى مسلحون مجهولون، مساء الثلاثاء الماضي، على الأكاديمي والناشط السياسي إبراهيم الكبسي، وسط صنعاء، بالضرب المبرح، كما حطموا سيارته.

 وسبق أن اعتدى مسلحون في 24 أغسطس/ آب الماضي، بالضرب على الصحافي مجلي الصمدي أمام منزله، والذي قال إن العصابة توعدته بالمزيد "إن لم يكف عن الكتابة".

ويُعتقد بشكل واسع أن العصابات تتبع لجماعة الحوثي التي تهدد دوماً معارضيها وتتهمهم بالخيانة وخدمة أعدائها.

 وكثف الكبسي انتقاداته في مواقع التواصل الاجتماعي. وفي آخر منشور له انتقد الاحتفالات والاستعراضات العسكرية للحوثيين. وكتب: "هذه أموالنا وإيراداتنا ومرتباتنا التي تعبثون بها في استعراضاتكم العسكرية واحتفالاتكم الدينية المسيسة".

وأضاف، مخاطباً الحوثيين: "كيف تريدوننا أن نعتبر حشودكم جيشاً وطنياً يحمي الوطن ونحن نراه يؤدي قسم الولاء الطائفي لفداء الوثن؟ هذا ليس أمننا ولا جيشنا لأنه يحمي كيانكم ويبني مشروعكم بإفقارنا وعلى حساب حقوقنا".

ويطغى على صنعاء اللون الأخضر حيث تحتفل جماعة الحوثي بالمولد النبوي باستعراض مبالغ فيه، والذي يتزامن مع احتفالهم بسيطرتهم على العاصمة، أو ما يسمونها "ثورة 21 سبتمبر". 

ووفق مصادر مقربة من الحوثيين، فإنه "من المتوقع أن تنفذ فيه الجماعة استعراضاً عسكرياً كبيراً في ميدان السبعين بصنعاء، وهذا سبب إغلاقها المبكر له".

وبعد تسع سنوات من سيطرتها على صنعاء، يسير الصراع المعقد في اليمن نحو تسوية بتفاصيل ليست واضحة على الأقل حتى الآن. لكن المعطيات تشير إلى أن جميع الأطراف ليس بمقدورها الاستمرار في المواجهة العسكرية المُكلفة.

ويقول رئيس مركز المخا للدراسات عاتق جار الله إن "متطلبات السلام أخطر على جماعة الحوثيين من الحرب. ولا أعتقد أن المفاوضات مع السعودية فيها مصلحة مطلقة للجماعة، بل فيها مخاطر كبيرة جداً وهم يدركون ذلك".

ويضيف، "جماعة الحوثي اعتادت على إدارة المجتمع بلغة الإتاوات والمجهود الحربي لمواجهة ما تسميه العدوان، وهو ما يتطلب من الجماعة أدبيات جديدة حالياً. وبما أنها ما زالت تدرك أنها أقلية، فبالتالي هي بحاجة إلى عدو خارجي تقاتله لتحشد الناس حولها، وإلا فهي مطالبة باستحقاقات لا تستطيع تلبيتها".

ويتابع جار الله "لا نستطيع الجزم أن الحرب في اليمن قد انتهت، لأن المباحثات مبنية على مطالب خارجية، وحتى الآن الأطراف اليمنية لم تصل إلى قناعة بإيقاف الحرب والتشارك، وهناك محاولة لجعل الصراع يمنياً - يمنياً لاستنزاف جميع الأطراف".

ويوضح أن "جماعة الحوثي استفادت ووسعت قدراتها في شمال اليمن، إذا ما قارنا حجمها وإمكانياتها قبل انقلابها على الدولة عام 2014، وساعدها في ذلك عدد من العوامل، منها دور التيار الهاشمي المتغلغل في نظام (الرئيس الراحل علي عبد الله) صالح، وتفكك الكيانات اليمنية". ويشير إلى أن "الجماعة استفادت من حلفائها الخارجيين، إيران تحديداً، على مستوى التسليح والتسويق السياسي الخارجي".

وعلى المستوى الشعبي، يرى جار الله أن "الجماعة تمر بمرحلة صعبة وخطيرة جداً، بعدما أدارت الناس بلغة الحرب، وفشلت اقتصادياً كسلطة أمر واقع، وبدأت تتراجع منذ 2018 بعدما أقدمت على قتل الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح".

من جانبه، يقول الصحافي اليمني عبد العالم بجاش إنه "بعد تسعة أعوام من الانقلاب الحوثي تشعر غالبية الشعب اليمني بأنها ضاعت من أعمارهم، حيث دمرت أسس الحياة، وعوضاً عن ذلك يعيش اليمنيون حالة شتات وتمزق بشكل عام، وحالة ترهيب شامل في مناطق سيطرة الانقلاب".

ويضيف بجاش،  "زرع الحوثيون أكثر من مليوني لغم وفق تقارير أممية ومحلية، وآلاف المدنيين سقطوا ضحايا ألغام الحوثي، معظمهم أطفال ونساء. وتم تقويض الاقتصاد والمعيشة، وهناك 143 مليار دولار خسائر الناتج القومي التراكمي بين العامين 2015 و2022، وتفشى الفقر والبطالة. وتراجع دخل الفرد سنوياً من 1287 دولاراً عام 2014 إلى قرابة 385 دولاراً عام 2022، ما ينذر بانزلاق مزيد من المواطنين تحت خط الفقر الوطني المقدر بـ600 دولار للفرد في العام، حسب تقرير لمبادرة استعادة" الأموال والحقوق المنهوبة.

ويلفت بجاش إلى أن "مؤشرات الواقع خصوصاً في مناطق سيطرة الحوثيين تظهر للعيان: تجويعاً وإفقاراً وسطواً ومصادرة للممتلكات والأراضي والمؤسسات والشركات العامة والخاصة، واستهدافاً للقبائل وكافة المجتمعات، واستهدافاً لكافة شرائح المجتمع".

ويضيف: "الحوثيون وضعوا أنفسهم في مسار تصادمي حتمي مع كافة فئات المجتمع، بإصرارهم على تكريس التفرقة العنصرية وتجريف المال العام، وتقويض كل شيء لصالح بناء ثروات خاصة بعدد محدود من قياداتها، ما يضع الجميع على قوائم المتضررين من استمرار الانقلاب"، لافتاً إلى أن "صدامها الشامل مع المجتمعات المحلية مسألة وقت".

وتراجعت حدة القتال بشكل ملحوظ بعد وقف إطلاق النار الذي توسّطت فيه الأمم المتحدة، ودخل حيّز التنفيذ في إبريل/نيسان من عام 2022. ولا تزال هذه الهدنة سارية إلى حدّ كبير حتى بعد انتهاء مدتها في أكتوبر/تشرين الأول من العام ذاته. 

ورغم الهدنة، لا تزال الأزمة الإنسانية في اليمن تتفاقم، مع تراجع المساعدات الإنسانية بسبب نقص التمويل.

قسم التحرير والمتابعة