هل تسهم التطورات الإقليمية والدولية لإنضاج تسوية سياسية في اليمن؟

كالعادة لا يلتقي وزير الدفاع السعودي ومسؤول ملف اليمن الأمير خالد بن سلمان في الرياض برئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي وأعضاء المجلس إلا لأمر مهم.

والأربعاء الماضي بحث وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان آخر تطورات ومستجدات الشأن اليمني مع مجلس القيادة الرئاسي في الرياض الجهود المشتركة لدعم مسار السلام في اليمن.

وقال خالد بن سلمان في حسابه على منصة (إكس) إن المملكة تشجع كل الأطراف اليمنية للتوصل إلى حل سياسي شامل ودائم تحت إشراف الأمم المتحدة، ينهي الأزمة اليمنية ويحقق الأمن والسلام والتنمية لليمن وشعبه الشقيق.

ويتزامن هذا اللقاء مع المستجدات الأخيرة في قطاع غزة، التي ماتزال أحداثها تتفاعل سياسياً وعسكرياً وإنسانياً منذ السابع من أكتوبر الحالي، مما ينذر بمخاطر كبيرة على الخليج والمنطقة العربية والأمن الإقليمي والعالمي.

وتقول المصادر المتطابقة أنه وفي اللقاء، أبلغ وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي وأعضاء المجلس الرئاسي، النتائج التي توصل لها الجانب السعودي في المفاوضات مع الحوثيين وبرعاية من سلطنة عُمان وجهود دبلوماسية إقليمية ودولية.

ويأتي هذا اللقاء في الوقت الذي قام الوسيطان الأممي هانس غروندبرغ والأمريكي تيم ليندكينح بزيارة إلى العاصمة السعودية الرياض، في مؤشر إلى حراك دبلوماسي حثيث للدفع باتجاه التوقيع على اتفاق دائم لوقف إطلاق النار في اليمن، يفتح الطريق لاستئناف عملية السلام المتعثرة في البلاد.

> بن سلمان يبلغ الرئاسي بنتائج المفاوضات

شهدت الرياض في الأيام الفائتة سلسلة من اللقاءات الهادفة إلى تحقيق تقدم حقيقي في مسار السلام في اليمن، بعد الجمود الذي صاحب هجوم الحوثيين على موقع عسكري في الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية أواخر سبتمبر الماضي، واستهدف قوات عسكرية بحرينية.

وحسب مراقبين، فإن هذه الاجتماعات المتوالية لمجلس القيادة الرئاسي مع الطرف السعودي أثمرت على حسم الخلاف حول تشكيل الفريق التفاوضي للحكومة المعترف بها دولياً في مشاورات السلام، وهو ما أكده عضو مجلس القيادة الرئاسي اللواء فرج سالمين البحسني في مقابلته الأخيرة مع صحيفة الشرق الأوسط.

ويرى مراقبون أن تشكيل الفريق التفاوضي بين مكونات الرئاسي، يعطي مؤشراً أن ثمة موافقة من مليشيا الحوثي الجلوس على طاولة المفاوضات اليمنية، علاوة عن أن ثمة خطوات مهمة بخصوص إجراءات بناء الثقة، وما يتعلق بالملف الإنساني المتمثل بفتح الطرقات وإطلاق سراح الأسرى، والاتفاق على آلية لصرف الرواتب لجميع موظفي الدولة.

وقالت مصادر سياسية في الرياض إن الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي، أبلغ الرئيس رشاد العليمي وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي النتائج التي توصل لها الجانب السعودي مع مليشيا الحوثي في اللقاءات السابقة التي كانت تجري بحضور الوسيط العماني.

وأضافت المصادر المتطابقة أن بن سلمان أطلع الرئيس العليمي وأعضاء المجلس على صورة ما جرى ويجري من التفاهمات بين الرياض وصنعاء، وسط توقعات أن هناك تقدما ملموسا في المشاورات يبدو أنه قد تحقق في الآونة الأخيرة.

وفي وقت سابق خرجت تصريحات لأعضاء في مجلس القيادة الرئاسي، تطالب باطلاعها على صورة ما يجري بين الرياض والحوثي، كونهم لا يعلمون عنها شيئاً.

ويرى مراقبون أن استمرار الحرب بين روسيا وأوكرانيا، ومستجدات الأحداث والأوضاع المتأزمة في الشرق الأوسط، والتصعيد في قطاع غزة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، هو ما يدفع ربما لضرورة إنجاز صفقة تسوية سياسية ما في اليمن في الوقت الراهن.

وفي الآونة الأخيرة شهدت الأزمة اليمنية تحركات مكوكية من الرعاة الدوليين ومن قبل الوسيط العماني الرغبة السعودية من أجل التوصل لصفقة سياسية ما تنهي الصراع العسكري والسياسي في اليمن الممتد لتسع سنوات.

وقال بيان صادر عن مكتب المبعوث الأممي "غروندبرغ"، عقب زيارته للرياض "الأربعاء" أن الزيارة ركزت على المناقشات على الخطوات المقبلة في سبيل تيسير التوصل إلى اتفاق بشأن إجراءات لتحسين ظروف المعيشة في اليمن، ووقف إطلاق للنار في جميع أنحاء البلاد، وعملية سياسية جامعة بين اليمنيين برعاية أممية.

وأكد المبعوث الخاص أن اليمن يمر بمنعطف حاسم مازال يحمل في طياته فرصة تقريب اليمنيين من تحقيق السلام العادل الذي يصبون إليه، مؤكدا ضرورة استمرار دعم المنطقة لليمن على مدار مسار السلام والتعافي، واستمرار تضافر الجهود الإقليمية والدولية، سعيا لاستئناف عملية سياسية تيسرها الأمم المتحدة.

وذكر البيان أن غروندبرغ عقد مناقشات مع سفراء الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، حول ضرورة استمرار توافق مجلس الأمن على دعم حل سياسي مستدام وشامل في اليمن يلبي تطلعات اليمنيين واليمنيات.

وأشار غروندبرغ إلى أنه لا يمكن صياغة حل مستدام للنزاع في اليمن إلا من قبل اليمنيين أنفسهم. يجب أن تجتمع الأطراف مع آخرين في إطار جامع لبناء مستقبل سلمي مشترك، وأن الأمم المتحدة ملتزمة ومستعدة لتقديم هذه المساحة بمجرد أن تتخذ الأطراف الخطوات الحاسمة اللازمة لتحويل هذه الرؤية الى واقع.

> صفقة أم تسوية؟

تبذل المملكة العربية السعودية جهوداً حثيثة لإنهاء الحرب، على الرغم من التعقيدات المصاحبة لهذا المسار، نتيجة لتعنت مليشيا الحوثي.

وأكد اللواء فرج البحسني عضو مجلس القيادة الرئاسي في مقابلة له في صحيفة الشرق الأوسط المقربة من النظام السعودي، أن جهود تحقيق السلام التي تقودها السعودية وسلطنة عمان مستمرة على قدم وساق، مبيناً أن خريطة الطريق التي تتم مناقشتها حالياً تحظى بدعم إقليمي ودولي كبيرين، مشيرا إلى أن ملامح خريطة الطريق هي وقف إطلاق النار وتطبيع الأوضاع وفتح الطرقات لتيسير أمور المواطنين، وفتح المطارات والموانئ.

وكشف اللواء فرج عن أن مجلس القيادة الرئاسي اليمني أقر أسماء وفده المفاوض الذي سيجتمع مع الحوثيين في أي محادثات قادمة، معبراً عن تفاؤله بتحقيق تقدم في عملية السلام الذي انتهجته الشرعية خدمة للشعب اليمني وليس ضعفاً، على حد تعبيره.

وعلق عضو مجلس القيادة الرئاسي طارق صالح عن اللقاء بقوله: "إن معركتنا الوطنية والقومية هي استعادة السلام الذي كان ينعم به شعبنا في ظل جمهوريته ونظامها السياسي القائم على الديمقراطية التعددية وحكم الدستور، ونحن مع كل الجهود التي يبذلها الأشقاء ويؤيدها المجتمع الدولي لتحقيق هذا الهدف بإنهاء الانقلاب واستعادة الدولة".

ومع تصريحات كهذه، يعطي البعض هذا اللقاء الذي جمع الأمير خالد بن سلمان والرئيس العليمي وأعضاء الرئاسي تفسيرات تشاؤمية، وأن البلد قد يذهب إلى صفقة ما أقرب منه إلى تسوية سياسية عادلة.

ويستدل أصحاب هذا الرأي بحجم الضغوطات السياسية التي تتلقاها المملكة العربية السعودية هذه الأيام من ممارسات الطرف الإيراني والأمريكي التي كلها بحسب هذا الرأي تصب لصالح تقديم تنازلات كبيرة لمليشيا الحوثي.

وفي هذا السياق يقول المحلل السياسي مصطفى الجبزي في حسابه على منصة (إكس ): "إن الصفقة التي تأخرت توشك على الحصول غفلة، مع انشغال العالم بما يدور في غزة"، مضيفا أنه يمكن أن تحدث مستجدات يمنية ليست بالضرورة حميدة، حد وصفه.

ويتوقع "الجبزي" أن ما أسماها بـ "الصفقة " يمكن أن تقوض الشرعية اليمنية أكثر مما مضى، وتعمل على إما منح البلد لمليشيا الحوثي، أو إلى لتقسيم متوسط الأجل لليمن، يفاقم من معاناة اليمنيين ويبدد دولتهم ونظامهم السياسي.

> انعكاس أحداث 7 أكتوبر على الأزمة اليمنية

لا يخفى على الجميع أن الرغبة السعودية لإيقاف الحرب اليمنية في الوقت الحالي قوية، وهذه الرغبة تتوافق مع التطلعات الأمريكية أيضا في تجميد وتحييد مليشيا الحوثي في الوقت الراهن، كون الولايات المتحدة الأمريكية تواجه مخاطر الحرب الروسية- الأوكرانية، ولا تريد فتح جبهات استنزاف أخرى.

وشهدت الأيام التي سبقت أحداث السابع من أكتوبر من الشهر الجاري في قطاع غزة وإسرائيل، تحركات إقليمية ودولية بإعادة الحديث عن مبادرة السلام العربية بين العرب وإسرائيل التي تبناها الملك السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز في قمة فاس في المغرب، بشأن حل الدولتين في حدود 67م.

وتسعى الجهود الدبلوماسية للمملكة العربية السعودية إلى منع التصعيد والتهدئة في المنطقة لتأمين حدودها الجنوبية من هجمات المليشيا الحوثية، بالإضافة إلى التفرغ لأدوار إقليمية ودولية أخرى، منها منع إيران من الاستئثار بالقضية الفلسطينية وتوظيفها لصالح مشاريعها التوسعية في المنطقة العربية في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين وربما دول عربية أخرى في قادم الأيام.

ووفق محليين سياسيين، فإن ما يحرك الرغبة الأمريكية لإنهاء الحرب في اليمن، هو حاجة الولايات المتحدة الأمريكية إلى نوع من التهدئة مع إيران وأذرعها حتى يحين موعد الانتخابات الأمريكية المقبلة، فضلا عن التفرغ لمواجهة الدب الروسي في أوكرانيا، ووقف تداعيات التصعيد العسكري في قطاع غزة والأراضي العربية المحتلة من قبل إسرائيل.

ختاماً.. يرى كثيرون أن التفاهمات بين الرياض والحوثيين تهدف في الأساس إلى تسهيل التفاوض بين مجلس القيادة الرئاسي والحوثيين، مع تقديم بعض التنازلات للحوثيين في مسألة رفع القيود بشكل كلي على ميناء الحديدة، وكذا فتح مطار صنعاء بوجهات متعددة ومنتظمة، علاوة على مناقشة آليات وضمانات هدنة شاملة وآليات تسوية سياسية تفضي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية.

ويتفق كثيرون أن مسألة سلاح الدولة، وتوحيد العملة وحل القضية الجنوبية حلا عادلا، هي أبرز المعوقات أمام تحقيق أي سلام حقيقي في اليمن، بالإضافة إلى مدى استعداد مليشيا الحوثي والمجلس الانتقالي الجنوبي لتقديم تنازلات جوهرية بهذا الشأن، من أجل إنجاح أي عملية سياسية مستقبلية وعملية انتقالية مضمونة وسلسة.

 عدن الغد - القسم السياسي