العدوان يحاصر اليمن: مخاوف من انكماش قياسي مع توقف جهود التسوية
يعيش اليمن على وقع تبعات العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة وتصاعد الأحداث في المنطقة مع دخول البلاد في حالة ترقب وقلق وجمود سياسي، وسط توقف جهود التسوية في البلاد التي كانت تسير بوتيرة عالية للتوصل إلى هدنة طويلة الأمد يتخللها ترتيبات عديدة لإدارة القطاعات الاقتصادية والموارد العامة والتوافق على خطة لإدارة عائدات الموارد النفطية بعد التوصل لإعادة تصدير النفط المتوقف منذ نهاية العام الماضي 2022.
وتسود مخاوف واسعة من تأثير كل هذه التطورات والأحداث على تفاقم الأوضاع الاقتصادية والمالية وعرقلة خطط الحكومة في تنفيذ برامج الإصلاحات الاقتصادية وعلاقتها بالدول والمؤسسات والصناديق المانحة وخطط إعداد موازنة العام القادم 2024. كما تتزايد التحليلات والتوقعات بدخول الاقتصاد في انكماش قياسي خلال الفترة المقبلة، وفق تقديرات البنك الدولي.
الباحث الاقتصادي علي بشير يؤكد، أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وتبعاتها المتصاعدة على المستوى الإقليمي والدولي، ألقت بأعباء جسيمة على اليمن الذي يتجه بسبب ذلك لدخول عام مجهول على الصعيد الاقتصادي وإدارة الموارد العامة وإعداد الموازنة العامة للدولة والبرامج الإصلاحية التي ألزمت بها الدول والمؤسسات والصناديق المانحة الحكومة اليمنية بهدف استيعاب أي تمويلات متاحة لدعم الاقتصاد اليمني.
تأثيرات حرب غزة
ويشير إلى أن أهم مشكلة تواجه اليمن بسبب الحرب الإسرائيلية وتطورات الأوضاع والأحداث في المنطقة تتمثل في توقف جهود التسوية التي كانت تسير بوتيرة عالية بوساطة عمانية ورعاية المبعوث الأممي إلى اليمن، إذ يمثل ذلك مشكلة كارثية لما لها من تبعات وتأثيرات في تعثر أو إرجاء حلحلة عدد من الملفات المعقدة في إطار جهود التسوية، وأهمها إطلاقا الملف الاقتصادي الذي كان محور الصراع منذ العام الماضي بين جميع الأطراف اليمنية.
وقال البنك الدولي في تقريره الأخير إن الاقتصاد اليمني أظهر مؤشرات على التعافي في عام 2022، وأن البلاد تواجه تحديات مستمرة مع فشل الهدنة التي توسطت فيها الأمم المتحدة لمدة 6 أشهر من أبريل/ نيسان إلى أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2022 في تحقيق حل سياسي دائماً.
ويتصاعد الجدل والسخط تجاه الحكومة اليمنية منذ مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني واتهامها باستغلال الأوضاع الراهنة التي تمر بها المنطقة نتيجة العدوان الإسرائيلي وعقد صفقات لبيع النفط لشركات إماراتية.
بيع النفط
الخبير والاستشاري الاقتصادي في تنمية الموارد الطبيعية عبد الغني جغمان، يشرح، أن الحكومة اليمنية عوضاً عن استشعار المخاطر الاقتصادية التي يواجهها اليمن نتيجة تغيرات الأحداث وتصاعدها في المنطقة وتبعات العدوان الإسرائيلي على غزة، عملت على الهروب من حالة العجز الذي تمر به إلى استغلال هذا الوضع والالتفاف على القوانين اليمنية النافذة ببيع كمية من النفط تصل تكلفتها إلى أكثر من مليار دولار لشركة إماراتية مجهولة تدعى "إيمو" والتي لا أثر ولا وجود لها.
ويرى أن تبعات الحرب والعدوان الإسرائيلي على غزة وتصاعد الأحداث في المنطقة ستكون وخيمة على اليمن واقتصادها المتعثر مع توسع الاختلالات والفوضى والعشوائية التي تجتاح إدارة أهم مورد اقتصادي تعتمد عليه البلاد؛ وهو القطاع النفطي وعدم إدارته بطريقة مسؤولة وصحيحة في ظل بروز العديد من الممارسات، التي يعتبرها مخالفات جسيمة، تتمثل في قيام الجهات الحكومية المختصة في عدن بتنفيذ خطة لبيع الاحتياطيات المثبتة في الحقول النفطية المنتجة لشركات أجنبية، وذلك بحجة ما تواجه الحكومة اليمنية من صعوبات في التصدير منذ نهاية العام الماضي 2022؛ بسبب قصف الحوثيين لموانئ التصدير الحكومية في الشحر ورضوم بمحافظتي حضرموت وشبوة جنوب شرقي اليمن.
تبعات نقدية
وتصدرت التطورات المتلاحقة الإقليمية والدولية وتبعات العدوان الإسرائيلي على غزة جدول أعمال اجتماع البنك المركزي اليمني الأسبوع الماضي في عدن.
وذكرت مصادر مصرفية مطلعة، أن البنك المركزي استعرض تقارير ترصد تطورات الأوضاع الاقتصادية والمالية وتأثيرها في أداء المؤشرات الاقتصادية وموقف الموازين الداخلية والخارجية.
يأتي ذلك بحسب هذه المصادر في ضوء الأحداث المتصاعدة والمتغيرات غير المواتية على الصعيد المحلي والتطورات الإقليمية والدولية وانعكاساتها على الأوضاع الاقتصادية اليمنية والتدابير المتاحة للتخفيف من آثارها في اطار تكاملي مع الجهود المبذولة من قبل كافة الجهات المعنية.
مصادر قالت، في هذا الخصوص، أن البنك المركزي اليمني حدد أهدافه بناءً على كل هذه المتغيرات والمضي بتنفيذ التزاماته بالسياسات الاحترازية الصارمة التي أعلنها مطلع عام 2022 واستمراره بتفعيل واستخدام أدوات السياسات النقدية المتاحة للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي وعدم اللجوء تحت أي ظرف إلى استخدام التمويل التضخمي لمواجهة نفقات الحكومة.
كما، أن هذه المؤسسة العامة المعنية بإدارة السياسة النقدية خاطبت الحكومة اليمنية بالنظر إلى تطورات الأحداث على المستوى الإقليمي والدولي، ودعتها إلى بذل المزيد من الجهود في تحصيل الموارد العامة وتوريدها إلى البنك المركزي وضبط الإنفاق وإعادة ترتيب الأولويات والتسريع في إصلاح الاختلالات في القطاعات التي تستنزف كثيراً من موارد البلاد الشحيحة وإعادة توظيفها بتحسين المستوى المعيشي والخدمي للمواطنين.
ويشدد الباحث الاقتصادي والمصرفي وحيد الفودعي، على ضرورة البحث من قبل الحكومة اليمنية عن سبل لدعم الريال، ولن يتأتى ذلك إلا باستعادة أهم مواردها المتمثل بصادرات النفط ومتحصلات ضرائب وجمارك السفن قبل تفاهمات الهدنة، عدى عن الدراسة والبحث والتنسيق والإعداد والتنظيم والرقابة وضبط الإيرادات وتنميتها وترشيد النفقات وغيرها من متطلبات الإدارة الفعالة للسياسات الاقتصادية للبلاد.
كما استعرض البنك المركزي اليمني تطورات عمليات المزادات الأسبوعية لبيع العملات الأجنبية والنتائج الإيجابية التي حققها باعتباره أداة تدخل فاعلة وشفافة.
وأقر "المركزي اليمني" الاستمرار بعملية المراجعة والتقييم بالاشتراك مع المانحين والمنظمات الدولية المراقبة والداعمة والمؤسسات التي تقدم الدعم الفني للبنك المركزي في بناء قدراته وترقية أنظمته ووظائفه.
العربي الجديد - محمد راجح