مع اتساع رقعة التصعيد.. البحر الأحمر على صفيح ساخن

قالت مصادر، أحدهما ملاحي، أن «القوات البحرية التابعة للحوثيين تمكّنت من استهداف مدمّرة بريطانية في خليج عدن»، يوم أمس. 

وقالت المصادر إن المدمّرة البريطانية، تسمّى «تايب 45»، وهي من الفئة المخصّصة بشكل أساسي للدفاع الجوي. 

وعلى رغم عدم تأكيد الأطراف وقوع الحادثة حتى المساء، إلا أن المصادر أشارت إلى أن المدمّرة تعرضت لعدّة هجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة، من دون أن توضح تفاصيل العملية.

وكانت «هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية» قد أكدت في وقت سابق، أمس، تسجيلها حادثتَي استهداف سفن في خليج عدن والبحر الأحمر. 

وخلال الـ 48 ساعة الماضية، تم رصد أربعة حوادث تعرّضت لها سفن شحن تجارية أميركية، وأخرى عسكرية، في أكثر من مسرح عملياتي.

 إذ أعلنت الهيئة البريطانية عن تسجيلها حادثاً فجر الأربعاء، في باب المندب على مقربة من ميناء المخا، الواقع في الساحل الغربي لليمن، فضلاً عن حادث آخر قالت إنه رُصد بالقرب من سواحل محافظة عدن جنوب البلاد. 

كما أعلنت تلقّيها أنباء عن أضرار كبيرة لحقت بالسفن المستهدفة، مشيرة إلى أن إحداها أصيبت في جانبها الأيمن.

من جهتها، قالت شركة الشحن الدنماركية «ميرسك» إن سفينتين ترفعان علم الولايات المتحدة، كانتا تعبران مضيق باب المندب صوب الشمال، عادتا أدراجهما بعدما شاهدتا انفجارات قريبة. 

وذكرت، في بيان، أن «السفينتين لم تتعرّضا لأضرار، ولم يُصب طاقمهما بأذى، وأن البحرية الأميركية رافقتهما خلال عودتهما إلى خليج عدن». 

وتشغّل السفينتين وحدة تابعة لـ«ميرسك» في الولايات المتحدة، تتولى الشحن لمصلحة وزارتَي الدفاع والخارجية وهيئة المعونة الأميركية وغيرها من الوكالات الحكومية. 

وقالت الشركة إن «السفينتين مدرجتان في برنامج الأمن البحري والجسر البحري الطوعي مع الحكومة الأميركية، والذي يوفر حماية البحرية الأميركية خلال العبور في المضيق».

كما أعلنت القيادة المركزية الأميركية أن الحوثيون أطلقوا 3 صواريخ باليستية على سفينة «ديترويت» الأميركية في خليج عدن، مضيفة أن «السفينة العسكرية غرايفلي اعترضت صاروخين بينما سقط الثالث في البحر».

 بدوره، قال سكرتيرها الصحافي، الجنرال بات ريدر، إن قوات التحالف الأميركي - البريطاني دمرت 25 موقعاً لإطلاق الصواريخ و20 صاروخاً.

وتداول ناشطون يمنيون صوراً التُقطت خلال إطلاق البوارج الأميركية مضادات دفاع جوي على مقربة من ساحل رأس العارة في لحج عند البوابة الجنوبية لباب المندب. 

كما أظهرت الصور لحظة تحليق مكثف لطائرات حربية أميركية وبريطانية، في محاولة لاعتراض الصواريخ والمسيّرات اليمنية في باب المندب.

ويأتي استهداف المدمّرة البريطانية عقب سلسلة اعتداءات بريطانية على اليمن، آخرها منتصف الأسبوع الجاري، حيث اعترف وزير الدفاع البريطاني بشن مقاتلات تابعة لبلاده، سلسلة غارات على مدن يمنية عدة؛ أبرزها العاصمة صنعاء، في إطار الجهد الغربي لحماية الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر.

وتتجاهل واشنطن الحديث عن التكلفة الباهظة لعملياتها في اليمن، علماً أن خبراء عسكريين يؤكدون أن هذه التكلفة هائلة مقارنة بالأهداف التي تزعم الولايات المتحدة تحقيقها.

 وتتجاوز قيمة صاروخ «توماهوك» 1.5 مليون دولار، من دون احتساب تكاليف العمليات التشغيلية للقوة العاملة عليه، بالإضافة إلى تكاليف طائرات «إف 18» وطائرات «تايفون» البريطانية التي قطعت نحو 3000 كيلومتر من قبرص مع طائرات مرافقة للتزوّد بالوقود.

 تضاف إلى ذلك تكاليف الأقمار الصناعية التجسّسية والطائرات الاستطلاعية والغواصات والبوارج في البحر الأحمر وخليج عدن.

الحوثيون: استخدمنا صواريخ باليستية في اشتباك مع البحرية الأميركية في خليج عدن وباب المندب

من جانيه، أعلن المتحدث العسكري باسم جماعة الحوثي في اليمن يحيى سريع، في وقت متأخر من ليل الأربعاء، أن "القوات المسلحة اليمنية" اشتبكت مع سفن تابعة للبحرية الأميركية في خليج عدن وباب المندب لأكثر من ساعتين، مستخدمة صواريخ باليستية وصلت إلى أهدافها.

وقال سريع، في بيان، "تم الاشتباك اليوم مع عدد من المدمرات والسفن الحربية الأميركية في خليج عدن وباب المندب، أثناء قيام تلك السفن بتقديم الحماية لسفينتين تجاريتين أميركيتين".

وأضاف: "كان من نتائج عملية الاشتباك إصابة سفينة حربية أميركية إصابة مباشرة وإجبار السفينتين التجاريتين الأميركيتين على التراجع والعودة".

وأشار المتحدث باسم الحوثيين إلى أن "القوات المسلحة" استخدمت خلال الاشتباك الذي استمر لأكثر من ساعتين "عدداً من الصواريخ الباليستية التي وصلت إلى أهدافها رغم محاولة السفن الحربية اعتراضها".

وكان الجيش الأميركي قد أعلن أنه نفذ ضربات جديدة في اليمن، قال إنها استهدفت صاروخين لجماعة الحوثيين كانا جاهزين للإطلاق وشكلا "تهديداً وشيكاً" على السفن التجارية والحربية في البحر الأحمر.

وتشن الولايات المتحدة منذ أيام ضربات على أهداف للحوثيين في اليمن، وأعادت إدراج الجماعة قبل أيام على قائمة المنظمات "الإرهابية".

وتقول الولايات المتحدة إن الضربات الجوية ردٌّ على هجمات الحوثيين التي تسببت في تعطيل حركة الملاحة في مضيق باب المندب الحيوي، الذي يمرّ عبره نحو 12 في المائة من التجارة البحرية العالمية، ما دفع الولايات المتحدة للإعلان عبر وزير الدفاع لويد أوستن، في 20 ديسمبر/كانون الأول الفائت، عن تشكيل تحالف متعدد الجنسيات لحماية الملاحة البحرية في البحر الأحمر، يسمى "عملية حارس الازدهار".

وقال البنتاغون يوم الثلاثاء إن الولايات المتحدة وحلفائها دمروا 25 منشأة صواريخ تابعة للحوثيين، بعد أيام من تحذير الرئيس جو بايدن من أن الضربات ستستمر في المستقبل المنظور.

وقال نائب مستشار الأمن القومي الأميركي، جون فاينر، لشبكة ABC يوم الأحد: “إن الردع ليس مفتاحًا ضوئيًا، فنحن نقوم بإخراج هذه المخزونات حتى لا يتمكنوا من شن العديد من الهجمات مع مرور الوقت، لكن الأمر سيستغرق بعض الوقت حتى يتم تنفيذه".

المبعوث الأممي إلى اليمن يعقد عدة لقاءات لبحث التصعيد

وسط هذه الأجواء، بحث وزير الخارجية أحمد عوض بن مبارك، اليوم الأربعاء، مع المبعوث الأممي إلى بلاده هانس غروندبرغ، تداعيات التصعيد في البحر الأحمر على جهود السلام التي تقودها الأمم المتحدة.

جاء ذلك خلال لقائهما في العاصمة السعودية الرياض، التي وصل إليها غروندبرغ، في زيارة غير محددة المدة، بحسب وكالة الأنباء اليمنية الرسمية "سبأ".

وبحث الجانبان، وفق الوكالة، "آخر التطورات في اليمن، وتداعيات التصعيد في البحر الأحمر على جهود السلام التي تقودها الأمم المتحدة".

ونقلت الوكالة عن وزير خارجية اليمن، تأكيده "دعم الحكومة اليمنية لجهود الأمم المتحدة لتحقيق السلام، وفقاً للمرجعيات المعتمدة، وفي مقدمتها قرار مجلس الأمن 2216 (الخاص بالأزمة اليمنية)".

ودعا بن مبارك، المجتمع الدولي إلى إعادة النظر في التعاطي مع جماعة الحوثي، التي قال إنّها "اتخذت العنف والإرهاب نهجاً لتقويض الأمن والسلم الإقليميين والدوليين"، وفق تعبيره.

في السياق ذاته، التقى غروندبرغ بسفيريّ السعودية والإمارات لدى اليمن، محمد آل جابر ومحمد حمد الزعابي، وسفراء الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن.

وبحسب بيان بعثة الأمم المتحدة إلى اليمن، فقد شدد المبعوث على ضرورة الحفاظ على بيئة مواتية لاستمرار الحوار في اليمن، وأهمية استمرار تضافر الدعم الإقليمي والدولي لجهود السلام.

واتسعت رقعة التصعيد في البحر الأحمر قبل أيام، إثر الضربات التي شنتها أميركا وبريطانيا على مواقع لجماعة الحوثيين في اليمن. 

ورداً على ذلك، امتدت هجمات الجماعة إلى السفن الأميركية والبريطانية، وهو ما أكده زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، الأسبوع الماضي، حين قال إن عمليات الجماعة في البحر الأحمر لن تتوقف عند السفن الإسرائيلية أو المتجهة إلى إسرائيل فقط، بل ستشمل أيضاً السفن الأميركية والبريطانية، مشترطاً توقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة حتى تتوقف هجمات الجماعة في البحر الأحمر.

"وول ستريت جورنال": إيران منحت الحوثيين أسلحة متطورة وأجهزة تشويش للطائرات

نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية عن مسؤولين ومستشارين غربيين قولهم إن إيران ترسل أسلحة متطورة بشكل متزايد إلى حلفائها الحوثيين في اليمن، وهو ما يعزز قدرتهم على مهاجمة السفن التجارية، على الرغم من الغارات الجوية التي تنفذها الولايات المتحدة على الحوثيين.

وطبقاً للمسؤولين، فإن الحوثيين في اليمن برزوا كواحد من أكثر وكلاء إيران قدرة، وذلك بسبب تدفق الأسلحة إليهم من طهران. 

وأوضحت "وول ستريت جورنال" أن إيران زودت الحوثيين بمعدات متطورة، من ضمنها أجهزة تشويش للطائرات بدون طيار وأجزاء من صواريخ وقذائف بعيدة المدى، فضلاً عن إرسال إيران وحزب الله مستشارين لمساعدة الحوثيين في التخطيط لهجماتهم وشنها.

وأكد مسؤولون أن طهران تستعين بمهربين لجلب الأسلحة إلى اليمن من إيران ووسطاء لشراء قطع الغيار. 

وقال المستشارون الأمنيون والمسؤولون إن المهندسين في اليمن ودول أخرى في المنطقة يساعدون في تجميع الصواريخ والطائرات بدون طيار وتشغيلها، ويقدم عمال صناعة الشحن معلومات استخباراتية حية حول السفن التي سيتم استهدافها.

ودفعت المساعدات العسكرية الإيرانية المتزايدة للحوثيين واشنطن إلى تقديم شكوى إلى طهران عبر السويسريين.

وتصر إيران على أنها لا تشارك في عمليات الحوثيين وأن تصرفات الجماعة مدفوعة فقط بالغضب من الحرب الإسرائيلية في غزة.

 وقال نائب وزير الخارجية الإيراني علي باقري، في ديسمبر/كانون الأول، في إشارة إلى حلفائه في اليمن وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط: "المقاومة لها أدواتها الخاصة… وتتصرف وفقاً لقراراتها وقدراتها".

وفيما يشدد محللون إيرانيون على أن الحوثيين يتصرفون بشكل مستقل إلى حد كبير، إلا أن إيران تسمح للوضع بالتصعيد لأنه يخدم أجندتها المتمثلة في الضغط على إسرائيل والولايات المتحدة دون خوف من الانتقام المباشر.

وقال الخبير في الأجهزة الأمنية في إيران بجامعة تينيسي في تشاتانوغا سعيد جولكار: "إن الحمض النووي العسكري الإيراني هو إنكار المسؤولية وإجبار الآخرين على القيام بالعمل القذر".

تكيف مع الضغوط

وقصفت الولايات المتحدة وحلفاؤها مواقع إطلاق الصواريخ ومخابئ الأسلحة في اليمن، وتقوم بدوريات في المياه لعرقلة تدفق الأسلحة إلى الحوثيين. ومع ذلك، فإن الحوثيين يتكيفون مع الضغوط. فبعد تحرك السفن الحربية الأميركية إلى البحر الأحمر، بدأ الحوثيون يستهدفون السفن شرقًا في خليج عدن، حيث لا وجود للولايات المتحدة، كما يقول مسؤولون تنفيذيون في مجال الشحن.

ويقول مسؤولون ومستشارون غربيون إن الحوثيين يتنقلون أيضًا بالمعدات والأفراد لتجنب الضربات ويبدو أنهم يتلقون الأسلحة في عبوات عائمة وليس في عمليات نقل من سفينة إلى سفينة يمكن رؤيتها بشكل أكبر من الجو. 

وفي الوقت نفسه، قالوا إن سفينة تجسس إيرانية قدمت معلومات عن أهداف في البحر الأحمر غادرت، على ما يبدو لتجنب استهدافها من قبل الولايات المتحدة.

وقال بهنام بن طالبلو، وهو زميل بارز في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن، إن "الحوثيين لديهم القدرة على الضربات بعيدة المدى الأكثر فتكا من أي مجموعة وكيلة لإيران، وهم الوحيدون الذين يستخدمون الصواريخ الباليستية المضادة للسفن".

وأضاف أن الحوثيين استخدموا في حادثة واحدة على الأقل صاروخا اتضح لاحقاً أنه في قائمة ترسانة إيران، وهو ما يمثل أول مثال واضح لانتقال الصواريخ الباليستية من وكيل إلى راع.

وتابع: "هناك أدلة تشير إلى أن اليمن ساحة معركة مهمة لاختبار الأسلحة الإيرانية والتطوير المحتمل"، مضيفاً أن "إيران لديها ترسانة في الداخل وترسانة في المنفى".

(رويترز، فرانس برس، الرأي الثالث)