تصعيد البحر الأحمر: ما التأثيرات على اليمن والمنطقة؟

 بينما كان اليمنيون ينتظرون اتفاقاً طال انتظاره، ينهي عشر سنوات عجاف من الحرب المدمرة، التي اندلعت عقب قيام جماعة الحوثيين بانقلاب عسكري على الحكومة الشرعية في سبتمبر/أيلول عام 2014، وجدوا أنفسهم في دوامة صراع جديد يتعدى إطارهم المحلي إلى الدولي.

وشهد البحر الأحمر منذ نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي تصعيداً من قبل الحوثيين، ضد السفن التي يعتقدون أنها مرتبطة بإسرائيل أو تتجه إليها، نجم عن ذلك تحرك أميركي أفضى إلى تشكيل قوة دولية متعددة، بدأت في شن سلسلة ضربات على أهداف مفترضة للحوثيين في عدة مدن يمنية.

ومع تزايد حدة الصراع في البحر الأحمر يبدو أن إمكانية إبرام صفقة بين الحوثيين وأميركا ضعيفة، خصوصاً مع استمرار الحوثيين باستهداف السفن الإسرائيلية أو تلك المتوجهة إلى إسرائيل، فيما صعدت أميركا من عمليات استهداف مواقع الحوثيين داخل اليمن.

وكان الحوثيون بدأوا الهجمات في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، في مقابل بدء الولايات المتحدة، إلى جانب بريطانيا، في 12 يناير/ كانون الثاني الحالي، بتنفيذ ضربات متتالية على أهداف في اليمن، بحجة تقويض قدرات الحوثيين على الاستمرار في تنفيذ الهجمات.

جهود أميركية فاشلة لوقف هجمات الحوثيين

وقادت الإدارة الأميركية جهوداً دبلوماسية بوساطة العُمانيين لحث الحوثيين على إيقاف هجماتهم التي تستهدف السفن في البحر الأحمر، غير أن هذه الجهود باءت بالفشل. 

ونقلت صحيفة "فايننشال تايمز"، أمس الأربعاء، عن مسؤولين أميركيين قولهم إن الولايات المتحدة طلبت من الصين حث إيران على كبح جماح الحوثيين، لكنها لم تتلق أي مؤشر يذكر على المساعدة من بكين. 

وأوضحت أن الولايات المتحدة أثارت الأمر مراراً مع كبار المسؤولين الصينيين خلال الأشهر الثلاثة الماضية.

وذكرت أن مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جيك سوليفان ونائبه جون فاينر ناقشا الأمر خلال اجتماعات مع رئيس الدائرة الدولية للجنة المركزية بالحزب الشيوعي الصيني ليو جيان تشو، في واشنطن أخيراً، وأن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أثار القضية أيضاً مع ليو جيان تشو.

وذكرت الصحيفة أن المسؤولين الأميركيين يعتقدون أنه لا توجد مؤشرات تذكر على أن الصين مارست أي ضغوط على إيران لكبح جماح الحوثيين، بخلاف بيان أصدرته بكين الأسبوع الماضي يدعو كل الأطراف إلى مرور آمن للسفن.

وقال مسؤول أميركي للصحيفة إن هناك "بعض العلامات" على انخراط الصين في هذه القضية، ولكن ليس بطريقة كبيرة، مضيفاً: "لا أريد المبالغة في تقدير مقدار ما فعلوه أو التأثير الذي أحدثوه".

وبعد فشل الجهود الأميركية في إيقاف هجمات الحوثيين، لجأت الإدارة الأميركية بالشراكة مع بريطانيا إلى شن ضربات جوية على مواقع جماعة الحوثيين، بدأتها في 12 الشهر الحالي، استهدفت مواقع عسكرية، ومطارات، ومنصات إطلاق صواريخ، ومخازن أسلحة. وقد عملت الإدارة الأميركية على زيادة الضغط على الحوثيين لإيقاف هذه الهجمات، غير أن الجماعة لم تستجب للمطالب الأميركية، لتقوم واشنطن في 17 يناير الحالي بتصنيف جماعة الحوثيين جماعةً إرهابيةً.

الخطوات العسكرية والدبلوماسية الأميركية فشلت في إثناء جماعة الحوثيين عن الاستمرار بشن الهجمات الصاروخية وبالمسيرات على خطوط الملاحة الدولية والسفن التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن لإظهار الدعم والتضامن مع الفلسطينيين في غزة. "العربي الجديد" تواصل مع عدد من القيادات في جماعة "أنصار الله" للتعليق على العرض الأميركي المقدم إلى الحوثيين، غير أنها رفضت التعليق.

واستبعد مراقبون للشأن اليمني إمكانية إبرام صفقة بين الحوثيين وأميركا، في ظل استمرار الهجمات التي تستهدف السفن في البحر الأحمر، واستمرار الضربات الأميركية والبريطانية ضد أهداف حوثية. 

وفي السياق، أعلن وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون، في تصريح صحافي أمس الأول الثلاثاء، أن الحملة الرامية لإضعاف القدرات العسكرية للحوثيين في اليمن ستستمر، بعدما شنت الولايات المتحدة وبريطانيا سلسلة جديدة من الهجمات الاثنين الماضي. 

وأضاف: "ما فعلناه مجدداً هو إرسال أبلغ رسالة ممكنة بأننا سنواصل الحد من قدرتهم على تنفيذ هذه الهجمات".

ورأى مراقبون أن "الوضع متجه إلى التصعيد بعد الضربات التي شنتها القوات الأميركية والبريطانية ليل الثلاثاء الماضي، واستهدفت ما بدا أنها مواقع حيوية. 

وللمرة الأولى صرّح المسؤولون الأميركيون والبريطانيون عن طبيعة الأسلحة المستخدمة في القصف، بينها صواريخ توماهوك وقنابل دقيقة التوجيه".

ولفت ياحثون ومهتمون بالشان اليمني، إلى أن "هذا التطور العسكري ذهب بالأزمة إلى مربع آخر، حيث تصر جماعة الحوثيين على الاستمرار في المواجهة، بينما تتخذ الإدارة الأميركية إجراءات عسكرية أكثر صرامة". 

يشار إلى أن الجيش الأميركي أعلن، في بيان فجر أمس الأربعاء، أنه نفذ ضربتين أخريين في اليمن، ودمر صاروخين مضادين للسفن كانا موجهين نحو البحر الأحمر وكانا يستعدان للانطلاق. 

وقالت القيادة المركزية الأميركية: "حددت القوات الأميركية الصاروخين في مناطق يسيطر عليها الحوثيون في اليمن، وقررت أنهما يمثلان تهديداً وشيكاً للسفن التجارية وسفن البحرية الأميركية في المنطقة، وبعد ذلك قصفت القوات الأميركية الصواريخ ودمرتها دفاعاً عن النفس".

المنظمة البحرية الدولية تدعو للتهدئة في البحر الأحمر

إلى ذلك أكد الأمين العام للمنظمة البحرية الدولية أرسينيو دومينغيز، يوم الخميس، في اجتماع عبر الفيديو مع رئيس هيئة قناة السويس المصرية، الفريق أسامة ربيع، دعم المنظمة لحرية الملاحة، ودعا للتهدئة في منطقة البحر الأحمر.

وأشار دومينغيز إلى أن الأوضاع الراهنة في منطقة البحر الأحمر تفرض عديداً من التحديات على حركة التجارة العالمية وسوق النقل البحرية، فضلاً عن تأثيراتها السلبية في قناة السويس والموانئ الموجودة في المنطقة. 

وأكد أن الملاحة بقناة السويس ما زالت مفتوحة أمام الجميع «لا سيما في ظل التحديات اللوجيستية والأمنية التي تواجهها السفن التي تلجأ للالتفاف حول طريق رأس الرجاء الصالح، فضلاً عن التحديات البيئية التي تفرضها طريق رأس الرجاء الصالح بوصفها مساراً غير مستدام لحركة الملاحة؛ نظراً لافتقاره الخدمات اللازمة».

وتحدث أيضاً رئيس هيئة قناة السويس عن استمرار الملاحة بقناة السويس «رغم التحديات». وقال إن الهيئة تتواصل مع العملاء لدعمهم بتقديم خدمات جديدة.

وقال الفريق ربيع: «إن القناة توفّر في الوقت والمسافة مقارنة بالمسارات البديلة، مما يسهم في خفض استهلاك الوقود بنسب تتراوح بين 10 و90 في المائة»، مشيراً إلى ما يترتب على ذلك من خفض للانبعاثات الكربونية الضارة. وأضاف أن قناة السويس أسهمت في خفض الانبعاثات الكربونية بمعدل 55.4 مليون طن خلال عام 2023، محققة وفراً في استهلاك الوقود قدره 16.9 مليون طن.

وشدد ربيع على أن الملاحة بالقناة منتظمة «ولم تتوقف على الإطلاق ولو ليوم واحد» منذ اندلاع الأزمة، مؤكداً أن قناة السويس تواصل تقديم خدماتها الملاحية بصورة طبيعية، بالتوازي مع استمرار جهودها في دعم عملائها لتقليل تأثير الأوضاع الراهنة عليهم.

وفي غضون ذلك، قالت مجموعة التعدين الأسترالية العملاقة «بي إتش بي»، يوم الخميس، إن الاضطرابات في البحر الأحمر تجبر بعض شركات الشحن على اتخاذ مسارات بديلة مثل رأس الرجاء الصالح حول أفريقيا، بينما لا تزال شركات أخرى تفضّل البحر الأحمر بضوابط إضافية.

وأضافت أكبر شركة تعدين مدرجة في العالم في بيان أن «البحر الأحمر هو إحدى طرق الشحن الرئيسية في العالم، ومع ذلك فإن غالبية شحنات (بي إتش بي) لا تمر من هذه الطريق»، ولم تحدث أي اضطرابات كبيرة في الأعمال التجارية حتى الآن.

ويأتي هذا في أعقاب تقارير من شركات مثل شركتي النفط الكبيرتين «بي بي» و«شل» اللتين توقفتا مؤقتاً عن استخدام البحر الأحمر، حيث أدت هجمات الحوثيين، على السفن التجارية إلى إرباك حركة التجارة بين أوروبا وآسيا.

وأصدرت بعض شركات الشحن تعليمات للسفن بتجنب البحر الأحمر واستخدام طريق رأس الرجاء الصالح للوصول إلى الغرب، وهي طريق أبطأ، وبالتالي أكثر تكلفة.

وذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال»، في وقت سابق من يوم الخميس، أن مجموعة «بي إتش بي» تحول مسار جميع شحناتها تقريباً من آسيا إلى أوروبا بعيداً عن البحر الأحمر في ظل الهجمات هناك.

وحققت «بي إتش بي» إيرادات بلغت 1.96 مليار دولار من أوروبا في عام 2023، أي نحو 3.6 في المائة من إجمالي إيراداتها التي بلغت 53.82 مليار دولار.

كما قالت شركة ناقلات النفط الكويتية، يوم الخميس، إنها تراقب وتقيّم الوضع في مضيق باب المندب والبحر الأحمر بشكل يومي، مؤكدة «تطبيقها التدابير والممارسات الاحترازية المتبعة عالمياً في حماية وسلامة أسطولها».

وأضافت الشركة، في بيان نشرته وكالة الأنباء الكويتية (كونا)، أنها «تقوم بمساندة الشحنات الكويتية لأسواقها العالمية».

 ونقلت صحيفة «الرأي» الكويتية (الخميس) عن مصادر، وصفتها بـ«المطلعة»، القول إن الشركة قررت إيقاف مرور ناقلاتها في البحر الأحمر «مؤقتاً»؛ بسبب تطور الأحداث في المنطقة.

وأفادت الصحيفة بأن قرار الإيقاف المؤقت يخضع للمراجعة الدورية المستمرة لحين استقرار حال المنطقة، مؤكدة «التزام مؤسسة البترول الكويتية التام بتنفيذ عقودها المبرمة مع الدول المختلفة، وذلك عبر ناقلات أجنبية».

ومن جانبها، قالت شركة «قطر للطاقة»، التي تعد «أحد أكبر مصدِّري الغاز الطبيعي المسال في العالم.» إن الصراع في البحر الأحمر ربما يؤثر في تسليم بعض شحنات الغاز الطبيعي المسال؛ لأنها ستسلك طرقاً بديلة، على الرغم من أن الشحنات تُدار بالتنسيق مع المشترين.

وقالت الشركة، في بيان بتاريخ 24 يناير (كانون الثاني): «يستمر إنتاج الغاز الطبيعي المسال في قطر دون انقطاع، كما أن التزامنا بضمان إمدادات موثوقة من الغاز الطبيعي المسال لعملائنا لا يتزعزع».

فإلى أين يمكن لهذا الصراع أن يجرّ اليمن والمنطقة، وما التأثيرات المتوقعة على مسار السلام؟