انتشاء روسي بالتورط الأميركي في البحر الأحمر

 توظّف روسيا التصعيد العسكري في البحر الأحمر، إعلامياً، بما يخدم دعايتها في صراعها الشامل مع الولايات المتحدة، وفي سياق دعوتها إلى عالم متعدّد الأقطاب. إذ ترى أن حركة «الحوثي» أثبتت أنه يمكن إلحاق الضرر بما يسميه الإعلام الروسي «الديكتاتورية العسكرية للإمبراطورية الغربية»، ليس من قِبل دول كبيرة كالصين وروسيا، بل من دول صغيرة كاليمن.

ويبدو أن موسكو بدأت تستعد للحضور المباشر في البحر الأحمر؛ فبعد المناورة التي أجرتها مع كل من طهران وبكين في المحيط الهندي وبحر العرب الشهر الماضي، أجرت مناورة أخرى مع إريتريا. 

وكانت برزت أهمية ذلك البحر بشدة في الصراع القائم حالياً بين الحوثيين والتحالف الأميركي - البريطاني، كما في الحروب والأزمات التي حصلت في الماضي، وبالتحديد حرب أكتوبر 1973. 

وسلطت وكالة «بلومبيرغ» الأميركية الضوء على الأهمية الفائقة التي يتمتع بها هذا الممر الإستراتيجي بالنسبة إلى موسكو، حيث أدّت العقوبات الأوروبية، عقب اندلاع الحرب الأوكرانية، إلى توسّع روسيا في تصدير محروقاتها إلى آسيا عبر الشريان الضيّق المذكور. 

من جهتها، تسعى أسمرا، من وراء إجراء تلك المناورة، فضلاً عن تمتين علاقاتها مع كل من موسكو وبكين، إلى مناكفة واشنطن بسبب موقفها المنحاز إلى إثيوبيا في النزاع الحدودي بين البلدين.

 وهي تريد تجميع ما تعتبره الأوراق اللازمة لإجبار أديس أبابا على القيام بترسيم نهائي للحدود وفقاً لاتفاقية الجزائر لعام 2000، وقرارات «محكمة العدل الدولية» الصادرة في العام ذاته، والتي أكدت ملكية إريتريا بعض الأراضي الواقعة تحت سيطرة إثيوبيا.

وعلى ما يتضح، فإن الجانب الروسي نجح في إيجاد موطىء قدم له إلى جانب الأساطيل الغربية في البحر الأحمر، بعدما حاول بناء قاعدة عسكرية مطلة على ذلك البحر في السودان في عهد النظام السابق، قبل أن توقف الحكومة الانتقالية الحالية تلك الاتفاقية. 

وأثارت علاقة موسكو بحركة الحوثي اهتماماً لدى مراقبين، وخصوصاً بعد إشادة الإعلام الروسي بالتصدي الحوثي، ودعوة أحد مقدمي البرامج المشهورين في القناة الرسمية الروسية إلى تزويد حركة «الحوثي» بأسلحة نوعية في حربها الدائرة في البحر الأحمر.

 غير أن مصادر مطلعة على خفايا علاقات الحوثيين - روسيا اعتبرت أن الدعاية الروسية، ولا سيما في ما يتعلق بالشأن اليمني، لها وظيفة واحدة تتمثّل في الرد على الدعوات الغربية إلى زيادة تسليح «الناتو» لأوكرانيا، وليست ذات أثر حقيقي، إلى الآن، في التصعيد العسكري الدائر حالياً في البحر الأحمر.

 وأكدت المصادر أنه ليس هناك تعاون عسكري بين حركة الحوثي وموسكو، مضيفةً أنه رغم أن الأخيرة تقيم خطّ تواصل مباشراً مع قادة الحوثيين، إلا أن الزيارات التي قام بها موفدو الأولى إليها تُعدّ قليلة.

في المقابل، شهدت العلاقات الروسية - السعودية، في العقد الأخير، ما اعتُبر نقطة تحوّل، بعد أن التقى ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، عام 2015، الرئيس فلاديمير بوتين، على هامش منتدى سانت بطرسبورغ الاقتصادي، وما أعقب ذلك من تبادل للزيارات بين الملك سلمان وبوتين. 

غير أن الأهم في التعاون بين الطرفين، إقامة ما يُعرف بـ«أوبك بلاس»، والتي اتفقت موسكو والرياض من خلالها على خفض إنتاج النفط عام 2016، بعد انخفاض أسعاره، علماً أن البلدين يريان في التعاون أمراً ضرورياً وحيوياً في تحقيق الاستقرار في سوق الطاقة. 

وزادت أهمية التنسيق بينهما في هذا المجال بعد اضطراب سوق الطاقة، وارتفاع أسعار النفط والغاز إلى مستويات غير مسبوقة، إثر فرض الدول الغربية عقوبات واسعة على روسيا بسبب حرب أوكرانيا. 

وعليه، رأت روسيا أن مصلحتها التوافق مع السعودية، ما فرض عليها الابتعاد عن «الحوثي» والتصويت إلى جانب المملكة في مجلس الأمن على القرار 2216 الذي أتاح شن الحرب على اليمن، الأمر الذي فُهم في صنعاء على أنه انتهازية روسية قائمة على المصالح الاقتصادية بخلاف ادعاء دعم العدالة في العالم.

 وفضلاً عن ذلك، كان الإعلام الروسي يتبنّى السردية السعودية - الإماراتية كاملة، في تغطيته للحرب الذي شنه «التحالف العربي» المدعوم من واشنطن على اليمن.

أما اليوم، فلم تُحدث التحوّلات التي حصلت في المنطقة، ومنها الحرب على غزة، والانخراط الحوثي فيها، إلى الآن، تحوّلاً كاملاً في الموقف الروسي، باستثناء التوظيف الإعلامي للصراع في البحر الأحمر من زاوية الغرق الأميركي فيه،

 فيما يبقى المحرّك الأساسي للديبلوماسية الروسية دائماً هو تعزيز العلاقة مع الرياض، وتظلّ موسكو تخشى من أن يؤدي التواصل مع صنعاء إلى إحداث ضرر في تعاونها مع السعودية.

 وكان القائم بأعمال السفير الروسي في اليمن آخر ممثّل أجنبي يخرج من العاصمة اليمنية عام 2017، إثر اغتيال الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح؛ وقد كشفت مصادر سياسية وأمنية  في حينه أن وجود القائم بالأعمال كان مرتبطاً بوجود صالح، مشيرة إلى أن روسيا لعبت دور الوسيط ودخلت في صفقة مع «التحالف العربي»، ومن وقتها صارت الرياض مقراً للسفارة الروسية بدل الأخيرة.

* الأخبار